وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، كُلِّهِمْ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، يَعْنِي: بَيْنَ الرُّسُلِ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، يَقُولُونَ: لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ، بِإِيمَانِهِمْ بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، قَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ يُؤْتِيهِمْ بِالْيَاءِ، [أَيْ: يُؤْتِيهِمُ اللَّهُ] [1] ، وَالْبَاقُونَ بِالنُّونِ، وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً.
قوله تعالى: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ الْآيَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ وَفَنْحَاصَ بْنَ عَازُورَاءَ مِنَ الْيَهُودِ قَالَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا فَأْتِنَا بِكِتَابٍ جُمْلَةً مِنَ السَّمَاءِ كَمَا أَتَى بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَنْزَلَ الله عليه: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ، وَكَانَ هَذَا السُّؤَالُ مِنْهُمْ سُؤَالَ تَحَكُّمٍ وَاقْتِرَاحٍ، لَا سُؤَالَ انْقِيَادٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يُنْزِلُ الْآيَاتِ عَلَى اقْتِرَاحِ الْعِبَادِ. قَوْلُهُ: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ أَيْ: أَعْظَمَ من ذلك، يعني: السبعين الذين [2] خَرَجَ بِهِمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى الْجَبَلِ، فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً أَيْ: عِيَانًا، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَاهُ قَالُوا جَهْرَةً أَرِنَا اللَّهُ، فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ، يَعْنِي إِلَهًا، مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ، وَلَمْ نَسْتَأْصِلْهُمْ، قِيلَ: هَذَا اسْتِدْعَاءٌ إِلَى التَّوْبَةِ، مَعْنَاهُ: أَنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا تَابُوا فَعَفَوْنَا عَنْهُمْ، فَتُوبُوا أَنْتُمْ حَتَّى نَعْفُوَ عَنْكُمْ، وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً، أَيْ: حُجَّةً بَيِّنَةً مِنَ الْمُعْجِزَاتِ، وَهِيَ الْآيَاتُ التِّسْعُ.
وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِتَشْدِيدِ الدَّالِّ وَفَتْحِ الْعَيْنِ نَافِعٍ بِرِوَايَةِ وَرْشٍ وَيَجْزِمُهَا الْآخَرُونَ، وَمَعْنَاهُ: لَا تَعْتَدُوا وَلَا تَظْلِمُوا بِاصْطِيَادِ الْحِيتَانِ فِيهِ، وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ، أَيْ: فَبِنَقْضِهِمْ، وماصلة كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ [آلِ عِمْرَانَ: 159] ، وَنَحْوَهَا، وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ، أَيْ: خَتَمَ عَلَيْهَا، فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا، يَعْنِي: مِمَّنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ لَا مِمَّنْ طُبِعَ عَلَى قَلْبِهِ، لِأَنَّ مَنْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ لَا يُؤْمِنُ أَبَدًا، وَأَرَادَ بِالْقَلِيلِ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ وَأَصْحَابَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يُؤْمِنُونَ قليلا ولا كثيرا.
وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158)
وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156) ، حِينَ رَمَوْهَا بِالزِّنَا.
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْقَى شَبَهَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الَّذِي دَلَّ الْيَهُودَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ حَبَسُوا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي بَيْتٍ وَجَعَلُوا عَلَيْهِ رَقِيبًا فَأَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى شَبَهَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الرَّقِيبِ فَقَتَلُوهُ، وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فِي قَتْلِهِ، لَفِي شَكٍّ مِنْهُ،