مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ، أَيْ: الْمَعُونَةَ وَالظُّهُورَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ: وَقِيلَ: أَيُطْلُبُونَ عِنْدَهُمُ الْقُوَّةَ، فَإِنَّ الْعِزَّةَ أَيْ: الْغَلَبَةَ وَالْقُوَّةَ وَالْقُدْرَةَ، لِلَّهِ جَمِيعاً.

وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ، قَرَأَ عَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ نَزَّلَ بِفَتْحِ النُّونِ وَالزَّايِ، أَيْ: نَزَّلَ اللَّهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (نُزِّلَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الزَّايِ، أَيْ: عَلَيْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ [1] ، أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ

، يَعْنِي الْقُرْآنَ، يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ، يَعْنِي: مع الذين يَسْتَهْزِئُونَ، حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ، أَيْ: يَأْخُذُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِ الِاسْتِهْزَاءِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [الأنعام:

68] ، قَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: دَخَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كُلُّ مُحْدِثٍ فِي الدِّينِ وَكُلُّ مُبْتَدَعٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ، أَيْ: إِنْ قَعَدْتُمْ عِنْدَهُمْ وَهُمْ يَخُوضُونَ وَيَسْتَهْزِئُونَ وَرَضِيتُمْ بِهِ فَأَنْتُمْ كُفَّارٌ مِثْلُهُمْ، وَإِنْ خَاضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِالْقُعُودِ مَعَهُمْ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا يَجُوزُ الْقُعُودُ مَعَهُمْ وَإِنْ خَاضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام: 68] ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ. وَآيَةُ الْأَنْعَامِ مَكِّيَّةٌ وَهَذِهِ مَدَنِيَّةٌ وَالْمُتَأَخِّرُ أَوْلَى. قوله:

إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً.

الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ، يَنْتَظِرُونَ بِكُمُ الدَّوَائِرَ، يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ، فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ، يَعْنِي: ظَفَرٌ وَغَنِيمَةٌ، قالُوا، لَكُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ، عَلَى دِينِكُمْ فِي الْجِهَادِ كُنَّا مَعَكُمْ فَاجْعَلُوا لَنَا نَصِيبًا مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ، يعني دولة وظهورا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، قالُوا، يَعْنِي:

الْمُنَافِقِينَ لِلْكَافِرِينَ، أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ، وَالِاسْتِحْوَاذ: هُوَ الِاسْتِيلَاءُ وَالْغَلَبَةُ، قَالَ تَعَالَى: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ [الْمُجَادَلَةِ: 19] أَيْ: اسْتَوْلَى وَغَلَبَ، يَقُولُ: أَلَمْ نُخْبِرْكُمْ بِعَوْرَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَنُطْلِعْكُمْ عَلَى سِرِّهِمْ؟ قَالَ الْمُبَرِّدُ: يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ لِلْكَفَّارِ أَلَمْ نَغْلِبْكُمْ عَلَى رَأْيِكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ، وَنَصْرِفْكُمْ، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ: عَنِ الدُّخُولِ فِي جُمْلَتِهِمْ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَلَمْ نَسْتَوْلِ عَلَيْكُمْ بِالنُّصْرَةِ لَكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ: نَدْفَعُ عَنْكُمْ صَوْلَةَ الْمُؤْمِنِينَ بِتَخْذِيلِهِمْ عَنْكُمْ وَمُرَاسَلَتِنَا إِيَّاكُمْ بِأَخْبَارِهِمْ وَأُمُورِهِمْ، وَمُرَادُ الْمُنَافِقِينَ بِهَذَا الْكَلَامِ إِظْهَارُ الْمِنَّةِ عَلَى الْكَافِرِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ، يَعْنِي: بَيْنَ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَأَهْلِ النِّفَاقِ، وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا، قَالَ عَلِيٌّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [2] : فِي الْآخِرَةِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَيُّ حُجَّةً، وَقِيلَ: ظُهُورًا عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم.

[سورة النساء (4) : الآيات 142 الى 144]

إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لَا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (143) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (144)

إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ

، أَيْ يُعَامِلُونَهُ مُعَامَلَةَ الْمُخَادِعِينَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ، أَيْ:

مُجَازِيهِمْ عَلَى خِدَاعِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا لِلْمُؤْمِنِينَ فَيَمْضِي الْمُؤْمِنُونَ بِنُورِهِمْ عَلَى الصِّرَاطِ، وَيُطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِينَ، وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ

، يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ قامُوا كُسالى

أَيْ: مُتَثَاقِلِينَ لَا يُرِيدُونَ بِهَا اللَّهَ فَإِنْ رَآهُمْ أَحَدٌ صَلَّوْا وَإِلَّا انْصَرَفُوا فلا يصلون، يُراؤُنَ النَّاسَ

أي: يفعلون ذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015