أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، ثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ وَاصِلِ بْنِ حيان، عن ابن [أبي] [1] الهذيل عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، لِكُلِّ آيَةٍ مِنْهَا ظَهْرٌ وَبَطْنٌ وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ» ، وَيُرْوَى: «لِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ، وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ» [2] .
وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، قِيلَ: الظَّهْرُ لَفْظُ الْقُرْآنِ، وَالْبَطْنُ تَأْوِيلُهُ، وَقِيلَ: الظَّهْرُ مَا حَدَّثَ عَنْ أَقْوَامٍ أَنَّهُمْ عَصَوْا فَعُوقِبُوا، فَهُوَ فِي الظَّاهِرِ خَبَرٌ وَبَاطِنُهُ عِظَةٌ وَتَحْذِيرٌ أَنْ يَفْعَلَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا فعلوا فيحلّ به مثل مَا حَلَّ بِهِمْ، وَقِيلَ: مَعْنَى الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ التِّلَاوَةُ وَالتَّفَهُّمُ، يَقُولُ: لِكُلِّ آيَةٍ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنْ تقرأها كما نزلت [3] ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا
[الْمُزَّمِّلِ: 4] ، وَبَاطِنٌ وَهُوَ التَّدَبُّرُ وَالتَّفَكُّرُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ [ص: 29] ، ثُمَّ التِّلَاوَةُ تَكُونُ بِالتَّعَلُّمِ، [وَالْحِفْظِ بِالدَّرْسِ] [4] ، وَالتَّفَهُّمُ يَكُونُ بِصِدْقِ النِّيَّةِ وَتَعْظِيمِ الْحُرْمَةِ، وَطِيبِ الطعمه، وَقَوْلُهُ: «لِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ» أَرَادَ به: لَهُ [5] حَدٌّ فِي التِّلَاوَةِ وَالتَّفْسِيرِ لَا يُجَاوَزُ، فَفِي التِّلَاوَةِ لَا يُجَاوِزُ الْمُصْحَفَ وَفِي التَّفْسِيرِ لَا يُجَاوِزُ الْمَسْمُوعَ، وَقَوْلُهُ:
«لِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ» ، أَيْ: مِصْعَدٌ يُصْعَدُ إِلَيْهِ مِنْ مَعْرِفَةِ عِلْمِهِ، وَيُقَالُ: الْمَطْلَعُ الْفَهْمُ، وَقَدْ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى الْمُدَبِّرِ وَالْمُتَفَكِّرِ فِي التَّأْوِيلِ وَالْمَعَانِي ما لا يفتحه [6] عَلَى غَيْرِهِ، وَفَوْقَ كُلِّ ذِي علم عليم، وما توفيقي إلا الله العزيز الحكيم.