فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تُعَذَّبُ جُلُودٌ لَمْ تَكُنْ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ تَعْصِهِ؟ قِيلَ يُعَادُ الْجِلْدُ الْأَوَّلُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ. وَإِنَّمَا قَالَ: جُلُوداً غَيْرَها لِتَبَدُّلِ [1] صِفَتِهَا، كَمَا تَقُولُ: صَنَعْتُ مِنْ خَاتَمِي خَاتَمًا غَيْرَهُ، فَالْخَاتَمُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ إِلَّا أَنَّ الصِّنَاعَةَ وَالصِّفَةَ تَبَدَّلَتْ، وَكَمَنَ يَتْرُكُ أَخَاهُ صَحِيحًا ثُمَّ بَعُدَ مَرَّةً يَرَاهُ مَرِيضًا دَنَفًا فَيَقُولُ: أَنَا غَيْرُ الَّذِي عَهِدْتَ، وَهُوَ عَيْنُ الْأَوَّلِ، إِلَّا أَنَّ صِفَتَهُ تَغَيَّرَتْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: يُبَدَّلُ الْجِلْدُ جِلْدًا غَيْرَهُ مِنْ لَحْمِ الْكَافِرِ ثُمَّ يُعِيدُ [2] الْجِلْدَ لَحْمًا ثُمَّ يُخْرِجُ مِنَ اللَّحْمِ جِلْدًا آخَرَ. وَقِيلَ: يُعَذَّبُ الشَّخْصُ فِي الْجِلْدِ لَا الْجِلْدُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: لِيَذُوقُوا الْعَذابَ وَلَمْ يَقُلْ: لِتَذُوقَ وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُلْبِسُ أَهْلَ النَّارِ جُلُودًا لَا تألم، فتكون زِيَادَةَ عَذَابٍ عَلَيْهِمْ، كُلَّمَا احْتَرَقَ جِلْدٌ بَدَّلَهُمْ جِلْدًا غَيْرَهُ، كَمَا قَالَ:

سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ [إِبْرَاهِيمَ: 50] فَالسَّرَابِيلُ تُؤْلِمُهُمْ وَهِيَ لَا تَأْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً.

[سورة النساء (4) : الآيات 57 الى 58]

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (57) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58)

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57) ، كَنِينًا لَا تَنْسَخُهُ الشَّمْسُ وَلَا يُؤْذِيهِمْ حَرٌّ وَلَا بَرْدٌ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها:

ع «642» نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيِّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَكَانَ سَادِنَ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ أَغْلَقَ عُثْمَانُ بَابَ الْبَيْتِ وَصَعَدَ السَّطْحَ فَطَلَبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِفْتَاحَ، فَقِيلَ: إِنَّهُ مَعَ عُثْمَانَ فَطَلَبَهُ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ فَأَبَى، وَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رسول الله لم أمنع المفتاح فلوى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [3] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدَهُ فَأَخَذَ مِنْهُ الْمِفْتَاحَ وَفَتَحَ الْبَابَ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ وَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا خَرَجَ سَأَلَهُ الْعَبَّاسُ الْمِفْتَاحَ أَنَّ يُعْطِيَهُ وَيَجْمَعَ لَهُ بَيْنَ السِّقَايَةِ وَالسِّدَانَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرُدَّ الْمِفْتَاحَ إِلَى عُثْمَانَ وَيَعْتَذِرَ إِلَيْهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: أَكْرَهْتَ وَآذَيْتَ ثُمَّ جِئْتَ تَرْفُقَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَأْنِكَ قُرْآنًا، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْآيَةَ، فَقَالَ عُثْمَانِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَكَانَ الْمِفْتَاحُ مَعَهُ فَلَمَّا مَاتَ دَفَعَهُ إِلَى أَخِيهِ شَيْبَةَ، فَالْمِفْتَاحُ وَالسِّدَانَةُ فِي أَوْلَادِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ جَمِيعَ الأمانات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015