الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً.
وَهُوَ قَوْلُ عطاء وطاوس وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ: أَنَّهُ يُصَلِّي فِي حَالِ شِدَّةِ الْخَوْفِ رَكْعَةً، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِذَا كُنْتَ فِي الْقِتَالِ وَضَرَبَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَقُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَاذْكُرِ اللَّهَ، [فإذا ذكرت اللَّهَ] [1] فَتِلْكَ صَلَاتُكَ. فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ، أَيْ: فَصَلَّوُا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ تَامَّةً بِحُقُوقِهَا، كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ.
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ: يَا مَعْشَرَ الرِّجَالِ، وَيَذَرُونَ، أَيْ: يَتْرُكُونَ أَزْواجاً، أَيْ: زَوْجَاتٍ، وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ، قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ وَصِيَّةً بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى: فَلْيُوصُوا وَصِيَّةً، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ، أَيْ: كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْوَصِيَّةَ، مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ، مَتَاعًا نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: مَتِّعُوهُنَّ مَتَاعًا، وَقِيلَ: جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لَهُنَّ مَتَاعًا، وَالْمَتَاعُ: نَفَقَةُ سَنَةٍ لِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا وَسَكَنِهَا وَمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، غَيْرَ إِخْراجٍ، نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَقِيلَ: بِنَزْعِ حَرْفٍ عَلَى الصِّفَةِ، أَيْ: مِنْ غير إخراج.
ع «283» نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ يُقَالُ لَهُ: حَكِيمُ بْنُ الْحَارِثِ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَهُ أَوْلَادٌ وَمَعَهُ أَبَوَاهُ وَامْرَأَتُهُ، فَمَاتَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَأَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِدَيْهِ وَأَوْلَادَهُ مِنْ مِيرَاثِهِ، وَلَمْ يُعْطِ [2] امْرَأَتَهُ شَيْئًا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَيْهَا مِنْ تَرِكَةِ زَوْجِهَا حَوْلًا كَامِلًا وَكَانَتْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حَوْلًا كَامِلًا وَكَانَ يَحْرُمُ عَلَى الْوَارِثِ إِخْرَاجُهَا مِنَ الْبَيْتِ قَبْلَ تمام الحول، وكانت نفقتها وسكنها وَاجِبَةٌ فِي مَالِ زَوْجِهَا تِلْكَ السَّنَةَ مَا لَمْ تَخْرُجْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا الْمِيرَاثُ، فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، وَكَانَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُوصِيَ بِهَا، فَكَانَ كَذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ، فَنَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى نَفَقَةَ الْحَوْلِ بِالرُّبْعِ وَالثُّمْنِ، وَنَسَخَ عدّة الحول بأربعة أشهر وعشرا. قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ خَرَجْنَ، يَعْنِي: مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِنَّ قَبْلَ الْحَوْلِ [مِنْ غَيْرِ إِخْرَاجِ الْوَرَثَةِ] [3] ، فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ يَا أَوْلِيَاءَ الْمَيِّتِ، فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ، يَعْنِي:
التَّزَيُّنَ لِلنِّكَاحِ، وَلِرَفْعِ الْجُنَاحِ عَنِ الرِّجَالِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي قطع النفقة عنهن إِذَا خَرَجْنَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ، وَالْآخَرُ: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي تَرْكِ مَنْعِهِنَّ مِنَ الْخُرُوجِ، لِأَنَّ مُقَامَهَا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا حَوْلًا غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا، خَيَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ أَنْ تُقِيمَ حَوْلًا وَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى [4] ، وَبَيْنَ أَنْ تَخْرُجَ [فَلَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى] [5] ، إلى أن نسخه [الله تعالى] بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (243)