أَعَنْتُكَ عَلَيْهِ بِطَبَقَتَيْنِ فَأَطْبِقْ، وَإِنْ نَازَعَكَ بَصَرُكَ إِلَى بَعْضِ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْكَ، فَقَدْ أَعَنْتُكَ عَلَيْهِ بِطَبَقَتَيْنِ، فَأَطْبِقْ، وَإِنْ نَازَعَكَ فَرْجُكَ إِلَى مَا حَرَّمْتُ عَلَيْكَ فَقَدْ أعنتك بِطَبَقَتَيْنِ فَأَطْبِقْ» .
وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (10) ، قَالَ: أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ طَرِيقُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، والحق والباطل، الهدى وَالضَّلَالَةِ، كَقَوْلِهِ إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3) [الإنسان: 3] وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ قَالَ الثَّدْيَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ المسيب والضحاك: والنجد: طريق ارْتِفَاعٍ.
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) ، يَقُولُ: فَهَلَّا أَنْفَقَ مَالَهُ فِيمَا يَجُوزُ به العقبة مِنْ فَكِّ الرِّقَابِ وَإِطْعَامِ السَّغْبَانِ، فَيَكُونُ خَيْرًا لَهُ مِنْ إِنْفَاقِهِ عَلَى عَدَاوَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ وَجَمَاعَةٍ.
وَقِيلَ: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) ، أَيْ لَمْ يَقْتَحِمْهَا وَلَا جَاوَزَهَا. وَالِاقْتِحَامُ: الدُّخُولُ فِي الْأَمْرِ الشَّدِيدِ، وَذِكْرُ الْعَقَبَةِ هَاهُنَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِمُجَاهِدَةِ النَّفْسِ وَالْهَوَى وَالشَّيْطَانِ فِي أَعْمَالِ الْبِرِّ، فَجَعَلَهُ كالذي يتكلف صعود العقبة، تقول: لَمْ يَحْمِلْ عَلَى نَفْسِهِ الْمَشَقَّةَ بعتق الرقبة ولا الإطعام [1] ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ قَتَادَةَ وَقِيلَ:
إِنَّهُ شَبَّهَ ثِقَلَ الذُّنُوبِ عَلَى مُرْتَكِبِهَا بِعَقَبَةٍ فَإِذَا أَعْتَقَ رَقَبَةً وَأَطْعَمَ كَانَ كَمَنِ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَجَاوَزَهَا.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ هَذِهِ الْعَقَبَةَ جَبَلٌ فِي جَهَنَّمَ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: عَقَبَةٌ شَدِيدَةٌ فِي النَّارِ دُونَ الْجِسْرِ، فَاقْتَحَمُوهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَالْكَلْبِيُّ: هِيَ صِرَاطٌ يُضْرَبُ عَلَى جَهَنَّمَ كَحَدِّ السَّيْفِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ آلَافِ سَنَةٍ سَهْلًا وصعودا وهبوطا، وإن بجنبيه كَلَالِيبُ وَخَطَاطِيفُ كَأَنَّهَا شَوْكُ السَّعْدَانِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمُكَرْدَسٌ فِي النَّارِ مَنْكُوسٌ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَمُرُّ كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالرِّيحِ الْعَاصِفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالْفَارِسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ كَالرَّجُلِ يَعْدُو، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالرَّجُلِ يَسِيرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْحَفُ زَحْفًا، وَمِنْهُمُ الزَّالُّونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُكَرْدَسُ فِي النَّارِ.
قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: يَقُولُ فَهَلَّا سَلَكَ الطَّرِيقَ الَّتِي فِيهَا النَّجَاةُ ثُمَّ بَيَّنَ مَا هِيَ فَقَالَ:
وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (16)
ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)
وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) ، مَا اقتحم الْعَقَبَةِ، قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كُلُّ شَيْءٍ، قَالَ: وَمَا أَدْرَاكَ فَإِنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ، وَمَا قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ فَإِنَّهُ لَمْ يُخْبَرْ بِهِ.
فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعامٌ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ فَكَّ بِفَتْحِ الْكَافِ، رَقَبَةً نَصْبٌ، أَوْ أَطْعَمَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ عَلَى الْمَاضِي، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ فَكُّ بِرَفْعِ الْكَافِ، رَقَبَةٍ جَرًّا، أَوْ إِطْعامٌ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَأَرَادَ بِفَكِّ الرَّقَبَةِ إِعْتَاقَهَا وَإِطْلَاقَهَا، وَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً كانت الرقبة فِدَاءَهُ مِنَ النَّارِ.
«2340» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بن