قوله عزّ وجلّ: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ، يَعْنِي صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا، يَعْنِي التَّطَوُّعَ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ.
إِنَّ هؤُلاءِ، يَعْنِي كُفَّارَ مَكَّةَ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ، أَيِ الدَّارَ الْعَاجِلَةَ وَهِيَ الدُّنْيَا وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ، يَعْنِي أَمَامَهُمْ، يَوْماً ثَقِيلًا، شَدِيدًا وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. أَيْ يَتْرُكُونَهُ فَلَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَلَا يَعْمَلُونَ لَهُ.
نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا، قَوَّيْنَا وَأَحْكَمْنَا، أَسْرَهُمْ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: أَسْرَهُمْ أَيْ خَلْقَهُمْ، يُقَالُ رَجُلٌ حَسَنُ الْأَسْرِ أَيِ الْخَلْقِ، وَقَالَ الحسن: يعني أوصالهم شددنا بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ بِالْعُرُوقِ وَالْعَصَبِ.
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي تَفْسِيرِ الْأَسْرِ قَالَ: الشَّرَجُ يَعْنِي مَوْضِعَ مَصْرَفَيِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ إِذَا خَرَجَ الأذى انقبضا [1] . وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلًا، أَيْ إِذَا شِئْنَا أَهْلَكْنَاهُمْ. وَأَتَيْنَا بأشباههم فجعلناهم بدلا منهم.
إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (29) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (31)
إِنَّ هذِهِ، يَعْنِي هَذِهِ السُّورَةَ، تَذْكِرَةٌ، تَذْكِيرٌ وَعِظَةٌ، فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا، وسيلة للطاعة.
وَما تَشاؤُنَ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وأبو عمرو يشاؤن بِالْيَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ، إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أَيْ لَسْتُمْ تشاؤون إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّ الْأَمْرَ إِلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ، أَيِ الْمُشْرِكِينَ. أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً.
مكية [وهي خمسون آية] [2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (?) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (?) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (3) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (4)
وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (?) ، يَعْنِي الرِّيَاحَ أُرْسِلَتْ مُتَتَابِعَةً كَعُرْفِ الْفَرَسِ. وَقِيلَ: عُرْفًا أَيْ كَثِيرًا تَقُولُ الْعَرَبُ: النَّاسُ إِلَى فُلَانٍ عُرْفٌ وَاحِدٌ، إِذَا تَوَجَّهُوا إِلَيْهِ فَأَكْثَرُوا، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَقَالَ مُقَاتِلٌ:
يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ الَّتِي أُرْسِلَتْ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ، وَهِيَ رِوَايَةُ مَسْرُوقٍ عَنِ ابن مسعود: