قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ يَدْفَعُ بِالدَّفْعَةِ الْوَاحِدَةِ فِي جَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ أَبُو جَهْلٍ لِقُرَيْشٍ: ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ أَسْمَعُ ابْنَ أَبِي كَبْشَةَ يخبر أن خزنة جهنم تِسْعَةَ عَشَرَ وَأَنْتُمُ الدُّهْمُ أَيِ الشُّجْعَانُ أَفَيَعْجِزُ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْكُمْ أَنْ يَبْطِشُوا بِوَاحِدٍ مِنْ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ؟ قَالَ أَبُو الْأَشَدِّ أُسَيْدُ بْنُ كَلَدَةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ: أَنَا أَكْفِيكُمْ مِنْهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ، عَشْرَةً عَلَى ظَهْرِي وَسَبْعَةً عَلَى بَطْنِي، فَاكْفُونِي أَنْتُمُ اثْنَيْنِ.

وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَمْشِي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ عَلَى الصِّرَاطِ فَأَدْفَعُ عَشَرَةً بِمَنْكِبِي الْأَيْمَنِ وَتِسْعَةً [1] بِمَنْكِبِي الْأَيْسَرِ فِي النَّارِ وَنَمْضِي فَنَدْخُلُ الْجَنَّةَ.

فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً، لَا رِجَالًا آدَمِيِّينَ فَمَنْ ذَا يَغْلِبُ الْمَلَائِكَةَ؟

وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ، أَيْ عَدَدَهُمْ فِي الْقِلَّةِ، إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، أَيْ ضَلَالَةً لَهُمْ حَتَّى قَالُوا مَا قَالُوا، لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ، لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ أَنَّهُمْ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً، يَعْنِي مَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَزْدَادُونَ تَصْدِيقًا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَجَدُوا مَا قَالَهُ مُوَافِقًا لِمَا في كتبهم، وَلا يَرْتابَ، لا يَشُكَّ، الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ، فِي عَدَدِهِمْ، وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، شَكٌّ وَنِفَاقٌ، وَالْكافِرُونَ، مُشْرِكُو مَكَّةَ مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا، أَيَّ شَيْءٍ أَرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ؟ وَأَرَادَ بِالْمَثَلِ الْحَدِيثَ نَفْسَهُ. كَذلِكَ، أَيْ كَمَا أَضَلَّ اللَّهُ مَنْ أَنْكَرَ عَدَدَ الْخَزَنَةِ وَهَدَى مَنْ صَدَّقَ كَذَلِكَ، يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ، قَالَ مُقَاتِلٌ: هَذَا جَوَابُ أَبِي جَهْلٍ حِينَ قَالَ: أَمَا لِمُحَمَّدٍ أَعْوَانٌ إِلَّا تِسْعَةَ عَشَرَ؟ قَالَ عَطَاءٌ: وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ يَعْنِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ خَلَقَهُمْ لِتَعْذِيبِ أَهْلِ النَّارِ، لَا يَعْلَمُ عِدَّتَهُمْ إِلَّا اللَّهُ، وَالْمَعْنَى إِنَّ تِسْعَةَ عشرهم خَزَنَةُ النَّارِ، وَلَهُمْ مِنَ الْأَعْوَانِ وَالْجُنُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا لَا يعلمهم إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى ذِكْرِ سَقَرَ فَقَالَ: وَما هِيَ، يعني النار، إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ، إِلَّا تَذْكِرَةً وَمَوْعِظَةً لِلنَّاسِ.

كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) ، هَذَا قسم يقول حقا.

[سورة المدثر (74) : الآيات 33 الى 41]

وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (34) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)

كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41)

وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) ، قَرَأَ نَافِعٌ وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ وَيَعْقُوبُ إِذْ بِغَيْرِ أَلِفٍ، أَدْبَرَ، بِالْأَلِفِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ إِذَا بِالْأَلِفِ، دَبَرَ بِلَا أَلِفٍ، لِأَنَّهُ أَشَدُّ مُوَافَقَةً لِمَا يَلِيهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (34) ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ قَسَمٌ بِجَانِبِهِ إِذْ وَإِنَّمَا بِجَانِبِ الْإِقْسَامِ إذا وكلاهما لُغَةٌ، يُقَالُ: دَبَرَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ إِذَا وَلَّى ذَاهِبًا. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: دَبَرَ لُغَةُ قُرَيْشٍ، وَقَالَ قُطْرُبٌ: دَبَرَ أَيْ أَقْبَلَ، تَقُولُ الْعَرَبُ: دَبَرَنِي فُلَانٌ أَيْ جَاءَ خَلَفِي، فَاللَّيْلُ يَأْتِي خَلْفَ النَّهَارِ.

وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (34) ، أَضَاءَ وَتَبَيَّنَ.

إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) ، يَعْنِي أَنَّ سَقَرَ لَإِحْدَى الْأُمُورِ الْعِظَامِ، وَوَاحِدُ الْكُبَرِ كُبْرَى، قَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: أَرَادَ بِالْكُبَرِ دَرَكَاتُ جَهَنَّمَ وَهِيَ سَبْعَةٌ: جَهَنَّمُ وَلَظَى وَالْحُطَمَةُ وَالسَّعِيرُ وَسَقَرُ وَالْجَحِيمُ وَالْهَاوِيَةُ.

نَذِيراً لِلْبَشَرِ (36) ، يَعْنِي النَّارَ نَذِيرًا لِلْبَشَرِ. قَالَ الْحَسَنُ: وَاللَّهِ مَا أَنْذَرَ اللَّهُ بشيء أدهى منها، وهو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015