وَتَرَبَّصْتُمْ، بِالْإِيمَانِ وَالتَّوْبَةِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: وتربصتم بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُلْتُمْ يُوشِكُ أَنْ يَمُوتَ فَنَسْتَرِيحُ مِنْهُ، وَارْتَبْتُمْ، شَكَكْتُمْ فِي نُبُوَّتِهِ وَفِيمَا أَوْعَدَكُمْ بِهِ. وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ، الْأَبَاطِيلُ وَمَا كُنْتُمْ تَتَمَنَّوْنَ مِنْ نِزُولِ الدَّوَائِرِ بِالْمُؤْمِنِينَ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ، يَعْنِي الْمَوْتَ، وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ، يَعْنِي الشَّيْطَانَ، قَالَ قَتَادَةُ: مَا زَالُوا عَلَى خُدْعَةٍ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى قَذَفَهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ.
فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ تُؤْخَذُ بِالتَّاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ، فِدْيَةٌ بَدَلٌ وَعِوَضٌ بِأَنْ تَفْدُوا]
أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْعَذَابِ، وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ، صَاحِبُكُمْ وَأَوْلَى بِكُمْ لِمَا أَسْلَفْتُمْ مِنَ الذُّنُوبِ، وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [الحديد: 16] ، قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ:
نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ سَأَلُوا سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالُوا حَدِّثْنَا عَنِ التَّوْرَاةِ فَإِنَّ فِيهَا الْعَجَائِبَ، فَنَزَلَتْ: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يُوسُفَ: 3] ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ أَحْسَنُ قَصَصًا مِنْ غَيْرِهِ فَكَفُّوا عَنْ سُؤَالِ سَلْمَانَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ عَادُوا فَسَأَلُوا سَلْمَانَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فَنَزَلَ: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً [الزُّمَرِ: 23] ، فَكَفُّوا عَنْ سُؤَالِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ عَادُوا فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنِ التَّوْرَاةِ فَإِنَّ فِيهَا الْعَجَائِبَ فَنَزَلَتْ هذه الآية [2] . فعلى هذا تأويل قَوْلُهُ: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ، يَعْنِي فِي الْعَلَانِيَةِ وَبِاللِّسَانِ.
وَقَالَ الآخرون: نَزَلَتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبْنَا اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ، إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ. [3]
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ اسْتَبْطَأَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ فَعَاتَبَهُمْ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ نِزُولِ الْقُرْآنِ.
فَقَالَ: أَلَمْ يَأْنِ، أَلَمْ يَحِنْ لِلَّذِينِ آمَنُوا أَنْ تخشع [قلوبهم] ترق وتلين وتخضع [4] لِذِكْرِ اللَّهِ، وَما نَزَلَ، قَرَأَ نَافِعٌ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ بِتَخْفِيفِ الزَّايِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِتَشْدِيدِهَا، مِنَ الْحَقِّ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ، وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ، الزَّمَانُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْبِيَائِهِمْ، فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَالُوا إِلَى الدُّنْيَا وَأَعْرَضُوا عَنْ مواعظ الله،