كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أدنى.

وهذا رواية أبي سَلَمَةَ عَنِ [1] ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالتَّدَلِّي هُوَ النُّزُولُ إِلَى الشَّيْءِ، حَتَّى يَقْرَبَ مِنْهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: دَنَا جِبْرِيلُ مِنْ رَبِّهِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: دَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَبِّهِ فَتَدَلَّى فَأَهْوَى لِلسُّجُودِ، فَكَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: قابَ قَوْسَيْنِ أي قدر قوسين، والقاب والقيب والقاد والقيد عبارة عن المقدار، والقوس: مَا يُرْمَى بِهِ فِي قَوْلِ الضَّحَّاكِ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ بين جبريل وبين مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِقْدَارُ قَوْسَيْنِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ حَيْثُ الْوَتَرُ مِنَ الْقَوْسِ.

وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى تَأْكِيدِ الْقُرْبِ [2] وَأَصْلُهُ أَنَّ الْحَلِيفَيْنِ مِنَ الْعَرَبِ كَانَا إِذَا أَرَادَا عَقْدَ الصَّفَاءِ وَالْعَهْدِ خَرَجَا بِقَوْسَيْهِمَا فَأَلْصَقَا بَيْنَهُمَا، يُرِيدَانِ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا مُتَظَاهِرَانِ يُحَامِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: قَابَ قَوْسَيْنِ أَيْ قَدْرَ ذِرَاعَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَشَقِيقِ بن سلمة، والقوس: الذِّرَاعُ يُقَاسُ بِهَا كُلُّ شَيْءٍ، أو أدنى بل أقرب.

[سورة النجم (53) : الآيات 10 الى 11]

فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى (11)

فَأَوْحى

، أَيْ أَوْحَى اللَّهُ، إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى

، مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ وَالْكَلْبِيِّ وَالْحَسَنِ وَالرَّبِيعِ وَابْنِ زَيْدٍ: مَعْنَاهُ أَوْحَى جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَوْحَى إِلَيْهِ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ.

قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَوْحَى إِلَيْهِ: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6) إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (4) [الانشراح: 4] ، وَقِيلَ: أَوْحَى إِلَيْهِ إِنَّ الْجَنَّةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى تَدْخُلَهَا أَنْتَ، وَعَلَى الْأُمَمِ حَتَّى تَدْخُلَهَا أُمَّتُكَ.

مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى (11) ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ مَا كذب بِتَشْدِيدِ الذَّالِ أَيْ مَا كَذَّبَ قَلَبُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَى بِعَيْنِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، بَلْ صَدَّقَهُ وَحَقَّقَهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ، أَيْ مَا كَذَبَ فُؤَادُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي رَأَى، بَلْ صَدَقَهُ، يُقَالُ: كَذَبَهُ إِذَا قَالَ لَهُ الكذب، وصدقه إذا قال له الصدق، مَجَازُهُ: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ فِيمَا رَأَى، وَاخْتَلَفُوا فِي الَّذِي رَآهُ، فَقَالَ قَوْمٌ: رَأَى جِبْرِيلَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ.

«2047» أَخْبَرَنَا إسماعيل بن عبد القاهر بن محمد أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شيبة ثنا حَفْصٌ هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى (11) قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ وله سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ.

وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الرُّؤْيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: جَعَلَ بَصَرَهُ فِي فُؤَادِهِ فَرَآهُ [3] بِفُؤَادِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015