حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ مِمَّا يَخْفِضُ صَوْتَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ، يَخْفِضُونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ، إِجْلَالًا لَهُ، أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى، اخْتَبَرَهَا وَأَخْلَصَهَا كَمَا يُمْتَحَنُ الذَّهَبُ بِالنَّارِ فَيَخْرُجُ خَالِصُهُ، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ.
إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ، قَرَأَ الْعَامَّةُ بِضَمِّ الْجِيمِ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَهُمَا لُغَتَانِ، وَهِيَ جَمْعُ الْحُجَرِ وَالْحُجَرُ جُمَعُ الْحُجْرَةِ فَهِيَ جَمْعُ الْجَمْعِ.
«1996» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً إِلَى بَنِي الْعَنْبَرِ وَأَمَّرَ [1] عَلَيْهِمْ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ الْفَزَارِيَّ، فَلَمَّا عَلِمُوا أَنَّهُ تَوَجَّهَ نَحْوَهُمْ هَرَبُوا وَتَرَكُوا عِيَالَهُمْ، فَسَبَاهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَقَدِمَ بِهِمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ رِجَالُهُمْ يَفْدُونَ الذَّرَارِيَّ، فَقَدِمُوا وَقْتَ الظَّهِيرَةِ، وَوَافَقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائما فِي أَهْلِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُمُ الذَّرَارِيُّ أَجْهَشُوا إِلَى آبَائِهِمْ يَبْكُونَ، وَكَانَ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجرة، فعجّلوا قبل أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلُوا يُنَادُونَ: يَا مُحَمَّدُ اخْرُجْ إِلَيْنَا، ويصيحون حَتَّى أَيْقَظُوهُ مِنْ نَوْمِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ فَادِنَا عِيَالَنَا، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ رَجُلًا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ سَبْرَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُوَ عَلَى دِينِكُمْ؟
فَقَالُوا: نَعَمْ، فقال سبرة: إني لَا أَحْكُمُ بَيْنَهُمْ إِلَّا وَعَمِّي شَاهِدٌ وَهُوَ الْأَعْوَرُ بْنُ بَشَامَةَ، فَرَضُوا بِهِ، فَقَالَ الْأَعْوَرُ: أَرَى أَنَّ تُفَادِيَ نِصْفَهُمْ وَتَعْتِقَ نِصْفَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ رَضِيتُ، فَفَادَى نصفهم وأعتق نِصْفَهُمْ [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ محرر من ولد إسماعيل فليعتق] [2] . فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) ، وَصْفَهُمْ بِالْجَهْلِ وَقِلَّةِ العقل.
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ، قَالَ مُقَاتِلٌ: لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ لِأَنَّكَ كُنْتَ تَعْتِقُهُمْ جَمِيعًا وَتُطْلِقُهُمْ بِلَا فِدَاءٍ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي نَاسٍ [3] مِنْ أعراب بني تميم جاؤوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَادَوْا عَلَى الْبَابِ.
«1997» وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَتْ بْنُو تَمِيمٍ فَنَادَوْا عَلَى الْبَابِ: اخْرُجْ إِلَيْنَا يَا مُحَمَّدُ، فَإِنَّ مدحنا