إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ

، بالغنم فِي الْقَتْلِ وَقَهَرْتُمُوهُمْ، فَشُدُّوا الْوَثاقَ، يَعْنِي فِي الْأَسْرِ حَتَّى لَا يُفْلِتُوا مِنْكُمْ، وَالْأَسْرُ يَكُونُ بَعْدَ الْمُبَالَغَةِ فِي الْقَتْلِ، كَمَا قَالَ: مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ [الْأَنْفَالِ: 67] ، فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً، يَعْنِي بَعْدَ أَنْ تَأْسِرُوهُمْ فَإِمَّا أَنْ تَمُنُّوا [1] عَلَيْهِمْ مَنًّا بِإِطْلَاقِهِمْ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَإِمَّا أَنْ تُفَادُوهُمْ فِدَاءً، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ:

فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ [الْأَنْفَالِ: 57] ، وَبِقَوْلِهِ: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التَّوْبَةِ: 5] ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، قَالُوا: لَا يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَى مَنْ وَقَعَ فِي الْأَسْرِ مِنَ الْكُفَّارِ وَلَا الْفِدَاءُ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ وَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ في الرجال البالغين [2] مِنَ الْكُفَّارِ إِذَا وَقَعُوا فِي الْأَسْرِ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَهُمْ أَوْ يَسْتَرِقَّهُمْ أَوْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ فَيُطْلِقُهُمْ بِلَا عِوَضٍ أَوْ يُفَادِيهِمْ بِالْمَالِ، أَوْ بِأُسَارَى الْمُسْلِمِينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ وَاشْتَدَّ سُلْطَانُهُمْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأُسَارَى فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَالِاخْتِيَارُ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ.

«1933» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا عبد الله بن يوسف ثنا الليث ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بن أثال سيد أهل اليمامة فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم فقال: وماذا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي يا محمد خير إن تقتلني [3] تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ [4] تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ ما شئت، فتركه رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حَتَّى كَانَ الْغَدُ، فَقَالَ لَهُ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟» فَقَالَ: ما عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تنعم تنعم على شاكر، فتركه رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ لَهُ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟» فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم:

«أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ» ، فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أحبّ الوجوه كلها إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فأصبح دينك أحبّ الدين كله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015