وَلَقَدْ فَتَنَّا، بَلَوْنَا، قَبْلَهُمْ، قَبْلَ هَؤُلَاءِ، قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ، عَلَى اللَّهِ وَهُوَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ.
أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ، يعن بَنِي إِسْرَائِيلَ أَطْلِقْهُمْ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، عَلَى الْوَحْيِ.
وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ، أي لَا تَتَجَبَّرُوا عَلَيْهِ بِتَرْكِ طَاعَتِهِ، إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ، بِبُرْهَانٍ بَيِّنٍ عَلَى صِدْقِ قَوْلِي، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ تَوَعَّدُوهُ بِالْقَتْلِ.
فَقَالَ: وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) ، أن تقتلون، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تَشْتُمُونِي [1] وَتَقُولُوا هُوَ سَاحِرٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: تَرْجُمُونِي بِالْحِجَارَةِ.
وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) ، فَاتْرُكُونِي لَا مَعِيَ وَلَا عَلَيَّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاعْتَزِلُوا أَذَايَ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا.
فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) ، مُشْرِكُونَ فَأَجَابَهُ اللَّهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْرِيَ.
فَقَالَ: فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا، أَيْ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ، يَتْبَعُكُمْ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ.
وَاتْرُكِ الْبَحْرَ، إِذَا قَطَعْتَهُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ، رَهْواً، سَاكِنًا عَلَى حَالَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، بَعْدَ أَنْ ضَرَبْتَهُ وَدَخَلْتَهُ، مَعْنَاهُ لَا تَأْمُرْهُ أَنْ يَرْجِعَ اتْرُكْهُ حَتَّى يَدْخُلَهُ آلُ فِرْعَوْنَ، وَأَصْلُ الرَّهْوِ: السُّكُونُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ:
مَعْنَاهُ اترك البحر رَاهِيًا أَيْ سَاكِنًا، فَسُمِّيَ بِالْمَصْدَرِ، أَيْ ذَا رَهْوٍ، وَقَالَ كَعْبٌ: اتْرُكْهُ طَرِيقًا. قَالَ قَتَادَةُ:
طَرِيقًا يَابِسًا. قَالَ قَتَادَةُ: لَمَّا قَطَعَ موسى البحر [وخرج بمن معه من بني إسرائيل فنظر إلى البحر فإذا هو على حاله لم يلتئم] [2] فعطف لِيَضْرِبَ الْبَحْرَ بِعَصَاهُ لِيَلْتَئِمَ وَخَافَ أَنْ يَتْبَعَهُ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ، فَقِيلَ لَهُ: اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا كَمَا هُوَ، إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ، أَخْبَرَ [الله] [3] مُوسَى أَنَّهُ يُغْرِقُهُمْ لِيُطَمْئِنَ قَلْبَهُ فِي تَرْكِهِ [الْبَحْرَ] [4] كَمَا جَاوَزَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا تَرَكُوا بِمِصْرَ.
فَقَالَ: كَمْ تَرَكُوا، يَعْنِي بَعْدَ الْغَرَقِ، مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (26) ، مَجْلِسٍ شَرِيفٍ، قَالَ قَتَادَةُ: الْكَرِيمُ الْحَسَنُ.
وَنَعْمَةٍ، وَمُتْعَةٍ [5] وَعَيْشٍ لَيِّنٍ، كانُوا فِيها فاكِهِينَ، ناعمين وفاكهين أشرين بطرين.
كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (28) فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (29) وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (32)
وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ مَا فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (33) إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (36) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (37)
وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْناهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42)
إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)