الْإِيصَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ [الْبَقَرَةِ: 275] ، رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الْوَعْظِ، فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ، وَالْمَيِّتُ بَرِيءٌ مِنْهُ، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ، لِمَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي، عَلِيمٌ: بِتَبْدِيلِ الْمُبَدِّلِ أَوْ سَمِيعٌ لِوَصِيَّتِهِ عَلِيمٌ بنيّته.
فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ خافَ، أَيْ: عَلِمَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ [الْبَقَرَةِ: 229] ، أَيْ: عَلِمْتُمْ، مِنْ مُوصٍ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَيَعْقُوبُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً [الشُّورَى: 13] وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ [الْعَنْكَبُوتِ: 8] ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِسُكُونِ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ الصَّادِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ [النِّسَاءِ: 11] ، جَنَفاً، أَيْ: جَوْرًا وَعُدُولًا عَنِ الْحَقِّ، وَالْجَنَفُ: الْمَيْلُ، أَوْ إِثْماً، أَيْ: ظُلْمًا، وقال السُّدِّيُّ وَعِكْرِمَةُ وَالرَّبِيعُ: الْجَنَفُ: الْخَطَأُ، وَالْإِثْمُ: الْعَمْدُ، فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ، فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا حَضَرَ مَرِيضًا وَهُوَ يُوصِي فَرَآهُ يَمِيلُ إِمَّا بِتَقْصِيرٍ أَوْ إِسْرَافٍ أَوْ وَضْعِ الْوَصِيَّةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، فَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْعَدْلِ وَيَنْهَاهُ عَنِ الْجَنَفِ، فَيَنْظُرُ [للموصى له] [1] والورثة، وقال الآخرون: إِنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ إِذَا أَخْطَأَ الْمَيِّتُ فِي وَصِيَّتِهِ أَوْ جَارَ مُتَعَمِّدًا [2] فَلَا حَرَجَ عَلَى وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ أَوْ وَالِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُصْلِحَ بَعْدَ مَوْتِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَبَيْنَ الْمُوصَى لَهُمْ، وَيَرُدَّ الْوَصِيَّةَ إِلَى الْعَدْلِ وَالْحَقِّ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، أَيْ: لا حَرَجَ عَلَيْهِ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَقَالَ طَاوُسٌ:
جَنَفَةٌ تَوْلِيجَةٌ [3] ، وَهُوَ أَنْ يُوصِيَ لِبَنِي بَنِيهِ، يريد ابنه أو لولد [4] ابْنَتِهِ وَلِزَوْجِ ابْنَتِهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ ابْنَتَهُ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ الْأَوْلِيَاءُ وَالْأَوْصِيَاءُ يُمْضُونَ وَصِيَّةَ الْمَيِّتِ بَعْدَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ [البقرة: 181] الْآيَةَ، وَإِنِ اسْتَغْرَقَ الْمَالَ كُلَّهُ، وَلَمْ يَبْقَ لِلْوَرَثَةِ شَيْءٌ، ثُمَّ نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: فَعَجَزَ الْمُوصِي أَنْ يُوصِيَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ كَمَا أَمَرَ الله تعالى، وعجز الوصي أَنْ يُصْلِحَ، فَانْتَزَعَ اللَّهُ تَعَالَى ذلك منهم، ففرض الفرائض.
ع «135» رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لِيَعْمَلُ أَوِ الْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً، ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ» ، قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ إلى قوله: غَيْرَ مُضَارٍّ [النساء: 11، 12] .