عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ، ثُمَّ قَالَ: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ، وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ عَدْلٌ من الله عزّ وجلّ» .
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (8) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: عَلَى ملة الإسلام لقوله [1] تَعَالَى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى [الْأَنْعَامِ: 35] ، وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ، فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، وَالظَّالِمُونَ، الْكَافِرُونَ، مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ، يَدْفَعُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، وَلا نَصِيرٍ، يَمْنَعُهُمْ مِنَ النار.
أَمِ اتَّخَذُوا، بَلِ اتَّخَذُوا أَيْ الْكَافِرُونَ، مِنْ دُونِهِ، أَيْ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَلِيُّكَ يَا مُحَمَّدُ وولي من اتّبعك، وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ، مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ، يَقْضِي فِيهِ وَيَحْكُمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْفَصْلِ الَّذِي يُزِيلُ الرَّيْبَ، ذلِكُمُ اللَّهُ، الَّذِي يَحْكُمُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ هُوَ، رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.
فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً، مِنْ مِثْلِ خَلْقِكُمْ حَلَائِلَ، قِيلَ: إِنَّمَا قَالَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ لِأَنَّهُ خَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ. وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً، أَصْنَافًا ذُكُورًا وَإِنَاثًا، يَذْرَؤُكُمْ، يَخْلُقُكُمْ، فِيهِ، أَيْ فِي الرَّحِمِ. وَقِيلَ: فِي البطن. وقيل: في [2] هَذَا الْوَجْهِ مِنَ الْخِلْقَةِ. قَالَ مُجَاهِدٌ:
نَسَلًا بَعْدَ نَسْلٍ مِنَ النَّاسِ وَالْأَنْعَامِ. وَقِيلَ: فِي بِمَعْنَى الْبَاءِ أَيْ يَذْرَؤُكُمْ بِهِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يُكَثِّرُكُمْ بِالتَّزْوِيجِ. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، المثل صِلَةٌ أَيْ لَيْسَ هُوَ كَشَيْءٍ فَأَدْخَلَ الْمِثْلَ لِلتَّوْكِيدِ، كَقَوْلِهِ: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ [الْبَقَرَةِ: 137] ، وَقِيلَ: الْكَافُ صِلَةٌ، مَجَازُهُ لَيْسَ مِثْلَهُ شَيْءٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
[سورة الشورى (42) : الآيات 12 الى 18]
لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (16)
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18)