وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مَنْزِلًا فِي الْجَنَّةِ وَأَهْلًا، فَمَنْ عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ كَانَ ذَلِكَ الْمَنْزِلُ وَالْأَهْلُ لَهُ، وَمَنْ عَمِلَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ دَخَلَ النَّارَ، وَكَانَ ذَلِكَ الْمَنْزِلُ وَالْأَهْلُ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ. وَقِيلَ: خُسْرَانُ النَّفْسِ بِدُخُولِ النَّارِ، وَخُسْرَانُ الْأَهْلِ بِأَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أهله، وذلك [1] هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ.
لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ، أَطْبَاقُ سُرَادِقَاتٍ مِنَ النَّارِ وَدُخَّانِهَا، وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ، فِرَاشٌ وَمِهَادٌ مِنْ نَارٍ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى القعر، سمي الْأَسْفَلَ ظُلَلًا لِأَنَّهَا ظُلَلٌ لِمَنْ تَحْتِهُمْ نَظِيرُهَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ [الْأَعْرَافِ: 41] ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ.
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ، الْأَوْثَانَ، أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ، رَجَعُوا إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ، لَهُمُ الْبُشْرى، في الدنيا [و] الجنة فِي الْعُقْبَى [2] ، فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ، الْقُرْآنَ، فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ.
قَالَ الْسُّدِّيُّ: أَحْسُنُ مَا يُؤْمَرُونَ به فيعملونه. وقيل: هو أن الله ذَكَرَ فِي الْقُرْآنِ الِانْتِصَارَ مِنَ الظَّالِمِ وَذَكَرَ الْعَفْوَ، وَالْعَفْوُ أَحْسَنُ الْأَمْرَيْنِ. وَقِيلَ: ذَكَرَ الْعَزَائِمَ وَالرُّخَصَ فيتبعون تا أحسن وَهُوَ الْعَزَائِمُ.
وَقِيلَ: يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ وَغَيْرَ الْقُرْآنِ فَيَتَّبِعُونَ الْقُرْآنَ.
وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: آمَنَ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ عُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، فَسَأَلُوهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِإِيمَانِهِ فآمنوا، فنزلت فيهم: فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، وَكُلُّهُ حَسَنٌ. أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ الْآيَتَانِ، فِي ثَلَاثَةِ نَفَرٍ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وأبو ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ. وَالْأَحْسَنُ: قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. وَقِيلَ: كَلِمَةُ الْعَذَابِ قَوْلُهُ: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ [السجدة: 13] وقيل: كلمة العذاب قَوْلُهُ: «هَؤُلَاءِ فِي النَّارِ وَلَا أُبَالِي» [3] . أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ، أَيْ لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ أَبَا لَهَبٍ وَوَلَدَهُ.
لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ، أَيْ مَنَازِلُ فِي الْجَنَّةِ رَفِيعَةٌ وَفَوْقَهَا مَنَازِلُ أَرْفَعُ مِنْهَا، تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ، أَيْ وَعَدَهُمُ اللَّهُ تِلْكَ الْغُرَفَ وَالْمَنَازِلَ وَعْدًا لَا يُخْلِفُهُ.
«1816» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا محمد بن