وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ، أَيْ دَلَالَةٌ عَلَى صِدْقِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ.
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ، أَعْطَاكُمُ اللَّهُ، قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ، أَنَرْزُقُ، مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا لِكُفَّارِ مَكَّةَ: أَنْفِقُوا عَلَى الْمَسَاكِينِ مِمَّا زَعَمْتُمْ مِنْ أَمْوَالِكُمْ أَنَّهُ لله، وهو ما جعلوه لِلَّهِ مِنْ حُرُوثِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ، قَالُوا: أَنُطْعِمُ أَنَرْزُقُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ الله أطعمه رَزَقَهُ، ثُمَّ لَمْ يَرْزُقْهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، فَنَحْنُ نُوَافِقُ مَشِيئَةَ اللَّهِ فَلَا نُطْعِمُ مَنْ لَمْ يُطْعِمْهُ اللَّهُ، وَهَذَا مِمَّا يَتَمَسَّكُ بِهِ الْبُخَلَاءُ، يَقُولُونَ: لَا نُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ اللَّهُ، وَهَذَا الَّذِي يَزْعُمُونَ [بَاطِلٌ] [1] ، لِأَنَّ اللَّهَ أَغْنَى بَعْضَ الْخَلْقِ وَأَفْقَرَ بَعْضَهُمُ ابْتِلَاءً، فَمَنَعَ الدُّنْيَا مِنَ الْفَقِيرِ لَا بُخْلًا وَأَمَرَ الْغَنِيَّ بِالْإِنْفَاقِ لَا حَاجَةً إِلَى مَالِهِ، وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ [2] الغني بالفقير فيما أمر وفرض لَهُ فِي مَالِ الْغَنِيِّ، وَلَا اعْتِرَاضَ لِأَحَدٍ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ وَحُكْمِهِ فِي خَلْقِهِ، إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، يَقُولُ الْكُفَّارُ لِلْمُؤْمِنِينَ: مَا أَنْتُمْ إِلَّا فِي خَطَأٍ بَيِّنٍ فِي اتِّبَاعِكُمْ محمدا وَتَرْكِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ.
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ، أَيِ الْقِيَامَةُ وَالْبَعْثُ، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مَا يَنْظُرُونَ، أَيْ مَا يَنْتَظِرُونَ، إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ النَّفْخَةَ الْأُولَى، تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ، يَعْنِي [3] يَخْتَصِمُونَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا مِنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَيَتَكَلَّمُونَ فِي الْمَجَالِسِ وَالْأَسْوَاقِ، قَرَأَ حَمْزَةُ يَخِصِّمُونَ بِسُكُونِ الْخَاءِ وَتَخْفِيفِ الصَّادِ، أَيْ يَغْلِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْخِصَامِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بتشديد الصاد، أي يختصمون، أدغموا التَّاءُ فِي الصَّادِ، ثُمَّ ابْنُ كَثِيرٍ وَيَعْقُوبُ وَوِرَشٌ يَفْتَحُونَ الْخَاءَ بِنَقْلِ حَرَكَةِ التَّاءِ الْمُدْغَمَةِ إِلَيْهَا، وَيَجْزِمُهَا أَبُو جَعْفَرٍ وَقَالُونَ، وَيَرُومُ فَتْحَةَ الْخَاءِ أَبُو عَمْرٍو، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِ الْخَاءِ.
«1784» وَرُوِّينَا أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ رفع رجل أَكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطْعَمُهَا» .
فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قالُوا يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)
إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (55)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً، أَيْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الإيصاء. قال مقاتل: عجزوا [4] عَنِ الْوَصِيَّةِ فَمَاتُوا، وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ، يَنْقَلِبُونَ، وَالْمَعْنَى أَنَّ السَّاعَةَ لَا تُمْهِلُهُمْ لِشَيْءٍ.
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ، وَهِيَ [النَّفْخَةُ] [5] الْأَخِيرَةُ نَفْخَةُ الْبَعْثِ، وَبَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ سنة، فَإِذا هُمْ