وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45)
وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً، خِزْيًا وَعَذَابًا، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ، أي: [1] الْمُبْعَدِينَ الْمَلْعُونِينَ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مِنَ الْمُهْلَكِينَ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا [قَالَ] [2] : مَنْ الْمُشَوَّهِينَ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ وَزُرْقَةِ الْعُيُونِ، يُقَالُ:
قَبَحَهُ اللَّهُ وَقَبَّحَهُ إِذَا جَعَلَهُ قَبِيحًا، وَيُقَالُ: قَبَّحَهُ قُبْحًا وَقُبُوحًا إِذَا أَبْعَدَهُ مِنْ كُلِّ خير.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى، يَعْنِي قَوْمَ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَغَيْرَهُمْ كَانُوا قَبْلَ موسى، بَصائِرَ لِلنَّاسِ، يعني لِيُبْصِرُوا بِذَلِكَ الْكِتَابَ وَيَهْتَدُوا بِهِ، وَهُدىً، من الضلال لِمَنْ عَمِلَ بِهِ، وَرَحْمَةً، لِمَنْ آمَنَ بِهِ، لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، بِمَا فِيهِ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَالْبَصَائِرِ.
وَما كُنْتَ، يَا مُحَمَّدُ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ، يَعْنِي بِجَانِبِ الْجَبَلِ الْغَرْبِيِّ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: بِجَانِبِ الْوَادِي الْغَرْبِيِّ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُرِيدُ حَيْثُ نَاجَى مُوسَى رَبَّهُ، إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ، يَعْنِي عَهِدْنَا إِلَيْهِ وَأَحْكَمْنَا الْأَمْرَ مَعَهُ بِالرِّسَالَةِ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ [أي] [3] الْحَاضِرِينَ ذَلِكَ الْمَقَامَ فَتَذْكُرُهُ مِنْ ذَاتِ نَفْسِكَ.
وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً، خلقنا أمما مِنْ بَعْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ، أَيْ طَالَتْ عَلَيْهِمُ الْمُهْلَةُ فَنَسُوا عَهْدَ اللَّهِ وميثاقه وَتَرَكُوا أَمْرَهُ.
وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَهِدَ إِلَى مُوسَى وَقَوْمِهِ عُهُودًا فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِيمَانِ بِهِ، فلما طال عليهم العمر وخلقت الْقُرُونَ بَعْدَ الْقُرُونِ نَسُوا تِلْكَ الْعُهُودَ وَتَرَكُوا الْوَفَاءَ بِهَا، وَما كُنْتَ ثاوِياً، مُقِيمًا، فِي أَهْلِ مَدْيَنَ، كَمَقَامِ مُوسَى وَشُعَيْبٍ فِيهِمْ، تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا، تُذَكِّرُهُمْ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، قَالَ مُقَاتِلٌ: يَقُولُ لَمْ تَشْهَدْ أَهْلَ مَدْيَنَ فَتَقْرَأْ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ خَبَرَهُمْ، وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ، أَيْ أَرْسَلْنَاكَ رَسُولًا وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِيهِ هَذِهِ الْأَخْبَارُ، فَتَتْلُوهَا عليهم ولولا ذلك لما عملتها ولم تخبرهم بها.
[سورة القصص (28) : الآيات 46 الى 49]
وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (49)