قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ، أَيْ هَلْ يَسْمَعُونَ دُعَاءَكُمْ، إِذْ تَدْعُونَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْمَعُونَ لَكُمْ.

أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ، قِيلَ بِالرِّزْقِ، أَوْ يَضُرُّونَ، إِنْ تَرَكْتُمْ عِبَادَتَهَا.

قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (74) ، مَعْنَاهُ إِنَّهَا لَا تَسْمَعُ قَوْلًا وَلَا تَجْلِبُ نَفْعًا وَلَا تَدْفَعُ ضَرًّا لَكِنِ اقْتَدَيْنَا بِآبَائِنَا، فِيهِ إِبْطَالُ التَّقْلِيدِ فِي الدِّينِ.

قالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) ، الْأَوَّلُونَ.

فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي، يعني أعدائي وَوَحَّدَهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ لَكُمْ عَدُوٌّ لِي، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ وَصَفَ الْأَصْنَامَ بِالْعَدَاوَةِ وَهِيَ جَمَادَاتٌ؟ قِيلَ: مَعْنَاهُ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي لَوْ عَبَدْتُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:

سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [مَرْيَمَ: 82] ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مِنَ الْمَقْلُوبِ أراد فإنهم عَدُوٌّ لَهُمْ [1] لِأَنَّ مَنْ عَادَيْتَهُ فَقَدْ عَادَاكَ. وَقِيلَ: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي عَلَى مَعْنَى إِنِّي لَا أتوهم وَلَا أَطْلُبُ مِنْ جِهَتِهِمْ نَفْعًا كَمَا لَا يُتَوَلَّى الْعَدُوُّ وَلَا يُطْلَبُ مِنْ جِهَتِهِ النَّفْعُ، قَوْلُهُ: إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ، اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ، قِيلَ:

هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي لَكِنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَلِيِّي [وناصري] [2] . وَقِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ مَعَ اللَّهِ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كُلُّ مَنْ تَعْبُدُونَ أَعْدَائِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ غَيْرُ مَعْبُودٍ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَإِنِّي أَعْبُدُهُ. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: مَعْنَاهُ إِلَّا مَنْ عَبَدَ [3] رَبَّ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ وَصَفَ مَعْبُودَهُ فَقَالَ:

الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ، أَيْ يُرْشِدُنِي إِلَى طَرِيقِ النَّجَاةِ.

وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) ، أَيْ يَرْزُقُنِي ويغذني بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَهُوَ رَازِقِي وَمِنْ عنده رزقي.

وَإِذا مَرِضْتُ، أَضَافَ الْمَرَضَ إِلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ وَالشِّفَاءُ كُلُّهُ مِنَ اللَّهِ، اسْتِعْمَالًا لِحُسْنِ الْأَدَبِ كَمَا قَالَ الْخَضِرُ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها [الْكَهْفِ: 79] ، وَقَالَ: فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما [الْكَهْفِ: 82] . فَهُوَ يَشْفِينِ، أَيْ يُبْرِئُنِي مِنَ الْمَرَضِ.

وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) ، أَدْخَلَ ثُمَّ هَاهُنَا لِلتَّرَاخِي أَيْ يُمِيتُنِي فِي الدُّنْيَا وَيُحْيِينِي فِي الآخرة.

[سورة الشعراء (26) : الآيات 82 الى 91]

وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86)

وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (91)

وَالَّذِي أَطْمَعُ، [أَيْ] [4] أَرْجُو، أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ، أَيْ خَطَايَايَ يَوْمَ الْحِسَابِ. قَالَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015