وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْذَنْ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبَبٌ يمنعه من المقام، فإذا حَدَثَ سَبَبٌ يَمْنَعُهُ مِنَ الْمَقَامِ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَحِيضُ مِنْهُمُ امْرَأَةٌ أَوْ يَجْنُبُ رَجُلٌ أَوْ يَعْرِضُ لَهُ مَرَضٌ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِئْذَانِ. إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ، أَيْ أَمَرَهُمْ، فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ، فِي الِانْصِرَافِ، مَعْنَاهُ إِنْ شِئْتَ فَأْذَنْ وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَأْذَنْ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَقُولُ احْذَرُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ عَلَيْكُمْ إِذَا أَسْخَطْتُمُوهُ فَإِنَّ دُعَاءَهُ مُوجَبٌ [لِنُزُولِ الْبَلَاءِ بِكُمْ] [1] لَيْسَ كَدُعَاءِ غَيْرِهِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: لَا تَدْعُوهُ بِاسْمِهِ كَمَا يَدْعُو بَعْضُكُمْ بَعْضًا يَا مُحَمَّدُ يا [ابن] [2] عَبْدَ اللَّهِ وَلَكِنْ فَخِّمُوهُ وَشَرِّفُوهُ، فَقُولُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي لِينٍ وَتَوَاضُعٍ، قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ، أي:
يخرجون مِنْكُمْ لِواذاً، [يستتر بعضكم ببعض ويزوغ خفية] [3] ، فَيَذْهَبُ، وَاللِّوَاذُ مَصْدَرُ لَاوَذَ يُلَاوِذُ ملاوذة، ولواذا، وقيل: كَانَ هَذَا فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ فَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَنْصَرِفُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْتَفِينَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لِوَاذًا أَيْ يَلُوذُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانَ يَثْقُلُ عَلَيْهِمُ الْمَقَامُ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاسْتِمَاعُ خُطْبَةِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانُوا يَلُوذُونَ بِبَعْضِ أَصْحَابِهِ فَيَخْرُجُونَ مِنَ الْمَسْجِدِ فِي اسْتِتَارٍ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ لِلتَّهْدِيدِ بِالْمُجَازَاةِ، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ، أَيْ أَمْرَهُ، وَ «عَنْ» صِلَةٌ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يُعْرِضُونَ عَنْ أَمْرِهِ وَيَنْصَرِفُونَ عَنْهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ. أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَيْ لِئَلَّا تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ، قَالَ مُجَاهِدٌ: بَلَاءٌ فِي الدُّنْيَا، أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، وَجِيعٌ فِي الْآخِرَةِ. وَقِيلَ:
عَذَابٌ أَلِيمٌ عَاجِلٌ فِي الدُّنْيَا. ثم عظّم نفسه:
أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)
فَقَالَ: أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، مَلِكًا وَعَبِيدًا، قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ، مِنَ الْإِيمَانِ وَالنِّفَاقِ أَيْ يَعْلَمُ، وَ «قَدْ» صِلَةٌ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ، يَعْنِي يَوْمَ الْبَعْثِ، فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا، مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
«1551» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ فَنْجُوَيْهِ [4] حدثنا