وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ، وحدوده، مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ، مَعْبُودٍ سِوَاهُ، أَفَلا تَتَّقُونَ، أَفَلَا تَخَافُونَ عُقُوبَتَهُ إِذَا عَبَدْتُمْ غَيْرَهُ.

فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ، يعني: يَتَشَرَّفَ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ الْفَضْلُ عَلَيْكُمْ فَيَصِيرَ مَتْبُوعًا وَأَنْتُمْ لَهُ تَبَعٌ، وَلَوْ شاءَ اللَّهُ، أَنْ لَا يُعْبَدَ سِوَاهُ، لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً، يَعْنِي بِإِبْلَاغِ الْوَحْيِ مَا سَمِعْنا بِهذا، الَّذِي يَدْعُونَا إِلَيْهِ نُوحٌ فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ، وَقِيلَ: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا أَيْ: بِإِرْسَالِ بَشَرٍ رسولا.

[سورة المؤمنون (23) : الآيات 25 الى 29]

إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (26) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29)

إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ، يعني: جُنُونٌ، فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ، يعني إِلَى أَنْ يَمُوتَ فَتَسْتَرِيحُوا مِنْهُ.

قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (26) ، يعني: أَعِنِّي بِإِهْلَاكِهِمْ لِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّايَ.

فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها، أَدْخِلْ فِيهَا، يُقَالُ سَلَكْتُهُ فِي كَذَا وَأَسْلَكْتُهُ فِيهِ، مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ، يعني مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِالْهَلَاكِ.

وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ.

فَإِذَا اسْتَوَيْتَ، اعْتَدَلْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، يعني الْكَافِرِينَ، وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً، قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ «مَنْزِلًا» بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الزاي، يُرِيدُ مَوْضِعَ النُّزُولِ، قِيلَ: هُوَ السَّفِينَةُ بَعْدَ الرُّكُوبِ، وَقِيلَ: هُوَ الْأَرْضُ بَعْدَ النُّزُولِ [وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي السَّفِينَةِ، وَيُحْتَمَلُ بَعْدَ الْخُرُوجِ] [1] . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ «مُنْزَلًا» بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ، أَيْ إِنْزَالًا مباركا، فَالْبَرَكَةُ فِي السَّفِينَةِ النَّجَاةُ وَفِي النُّزُولِ بَعْدَ الْخُرُوجِ كَثْرَةُ النَّسْلِ مِنْ أَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ.

[سورة المؤمنون (23) : الآيات 30 الى 36]

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (32) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (34)

أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35) هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (36)

إِنَّ فِي ذلِكَ، يَعْنِي الَّذِي ذَكَرْتُ مِنَ أَمْرِ نُوحٍ وَالسَّفِينَةِ وَإِهْلَاكِ أَعْدَاءِ الله، لَآياتٍ، دلالات عَلَى قُدْرَتِهِ، وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ، يعني: وَقَدْ كُنَّا. وَقِيلَ: وَمَا كُنَّا إِلَّا مُبْتَلِينَ أَيْ: مُخْتَبِرِينَ إِيَّاهُمْ بِإِرْسَالِ نُوحٍ وَوَعْظِهِ وَتَذْكِيرِهِ لِنَنْظُرَ مَا هُمْ عَامِلُونَ قَبْلَ نُزُولِ العذاب بهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015