[أن لا تدخل علي أحدا] [1] فَقَالَ: أَمَّا مِنْ قِبَلِي فَلَمْ تُؤْتَ فَانْظُرْ مِنْ أَيْنَ أُتِيتَ، فَقَامَ إِلَى الْبَابِ فَإِذَا هُوَ مغلق كما هو أَغْلَقَهُ، وَإِذَا الرَّجُلُ مَعَهُ فِي الْبَيْتِ فَقَالَ أَتَنَامُ وَالْخُصُومُ بِبَابِكَ، فَعَرَفَهُ فَقَالَ: أَعْدُوُّ اللَّهِ؟
قَالَ: نَعَمْ أَعْيَيْتَنِي فَفَعَلْتُ مَا تَرَى لأغضبك فعصمك الله مني، فَسُمِّيَ ذَا الْكِفْلِ لِأَنَّهُ تَكَفَّلَ بِأَمْرٍ [2] فَوَفَّى بِهِ.
وَقِيلَ: إِنَّ إِبْلِيسَ جَاءَهُ وَقَالَ إِنَّ لِي غَرِيمًا يَمْطُلُنِي فَأُحِبُّ أَنْ تَقُومَ مَعِي وَتَسْتَوْفِي حَقِّي مِنْهُ، فَانْطَلَقَ مَعَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي السُّوقِ خَلَّاهُ وَذَهَبَ. وَرُوِيَ: أَنَّهُ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ. وَقَالَ: إِنَّ صَاحِبِي هَرَبَ، وَقِيلَ: إِنَّ ذَا الْكِفْلِ رَجُلٌ كَفَلَ أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِائَةَ رَكْعَةٍ إِلَى أَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ فَوَفَّى بِهِ، وَاخْتَلَفُوا في أنه [هل] [3] كَانَ نَبِيًّا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ نَبِيًّا. وَقِيلَ: هُوَ إِلْيَاسُ. وَقِيلَ: [هو] [4] زَكَرِيَّا. وَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَلَكِنْ كَانَ عَبْدًا صالحا.
وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا، يَعْنِي مَا أنعم الله [5] عليهم في الدنيا مِنَ النُّبُوَّةِ وَصَيَّرَهُمْ إِلَيْهِ فِي الْجَنَّةِ مِنَ الثَّوَابِ، إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ.
وَذَا النُّونِ، أي واذكر صَاحِبَ الْحُوتِ وَهُوَ يُونُسُ بْنُ مَتَّى، إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً، اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ الضَّحَّاكُ: مُغَاضِبًا لِقَوْمِهِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ وَغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ يُونُسُ وَقَوْمُهُ يَسْكُنُونَ فِلَسْطِينَ فَغَزَاهُمْ مَلِكٌ فَسَبَى مِنْهُمْ تِسْعَةَ أَسْبَاطٍ ونصفا وبقي سبطان وَنِصْفٌ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى شَعْيَاءَ النَّبِيِّ أَنْ سِرْ إِلَى حِزْقِيلَ الْمَلِكِ، وَقُلْ لَهُ حَتَّى يُوَجِّهَ نبيا قويا فإني ألقي هيبة [6] فِي قُلُوبِ أُولَئِكَ حَتَّى يُرْسِلُوا مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ فَمَنْ تَرَى، وَكَانَ فِي مَمْلَكَتِهِ خَمْسَةٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ يونس فإنه قوي أمين فدعا الملك بيونس فَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ لَهُ يُونُسُ هَلْ أَمَرَكَ اللَّهُ بِإِخْرَاجِي؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَهَلْ سَمَّانِي لك؟ قال: لا، فههنا غَيْرِي أَنْبِيَاءٌ أَقْوِيَاءُ، فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ فَخَرَجَ مِنْ بَيْنِهِمْ مُغَاضِبًا لِلنَّبِيِّ وَلِلْمَلِكِ، وَلِقَوْمِهِ فَأَتَى بَحْرَ الرُّومِ فَرَكِبَهُ.
وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَجَمَاعَةٌ: ذَهَبَ عَنْ قَوْمِهِ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ إِذْ كشف عن قومه العذاب بعد ما أَوْعَدَهُمْ وَكَرِهَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ قَوْمٍ قَدْ جَرَّبُوا عَلَيْهِ الْخُلْفَ فِيمَا أَوْعَدَهُمْ وَاسْتَحْيَا مِنْهُمْ وَلَمْ يَعْلَمِ السَّبَبَ الَّذِي بِهِ [رُفِعَ] [7] العذاب [عنهم] [8] وَكَانَ غَضَبُهُ أَنَفَةً مِنْ ظُهُورِ خُلْفِ وَعْدِهِ، وَأَنَّهُ يُسَمَّى كَذَّابًا لَا كَرَاهِيَةً لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ كَانَ مِنْ عَادَةِ قَوْمِهِ أَنْ يَقْتُلُوا مَنْ جَرَّبُوا عَلَيْهِ الْكَذِبَ فَخَشِيَ أَنْ يَقْتُلُوهُ لَمَّا لَمْ يَأْتِهِمُ العذاب للميعاد [الذي وعدهم فيه] [9] فغضب، والمغاضبة هاهنا مِنَ [10] الْمُفَاعَلَةِ الَّتِي تَكُونُ مِنَ وَاحِدٍ، كَالْمُسَافَرَةِ وَالْمُعَاقَبَةِ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ مغاضبا أي غضبان.