وَقَالَتْ بَعْلِي: قَالَ فَهَلْ تَعْرِفِينَهُ إِذَا رَأَيْتِيهِ فَقَالَتْ وَهَلْ يَخْفَى على أحد [بعله إذا] [1] رَآهُ ثُمَّ جَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ وهي تهابه ثم فقالت: أَمَا أَنَّهُ أَشْبَهُ خَلْقِ اللَّهِ بِكَ إِذْ كَانَ صَحِيحًا قَالَ فإني أنا أيوب الذي أمرتيني أَنْ أَذْبَحَ لِإِبْلِيسَ وَإِنِّي أَطَعْتُ اللَّهَ وَعَصَيْتُ الشَّيْطَانَ وَدَعَوْتُ اللَّهَ فَرَدَّ عَلَيَّ مَا تَرَيْنَ. وَقَالَ وهب بن منبه: لَبِثَ أَيُّوبُ فِي الْبَلَاءِ ثَلَاثَ سِنِينَ فَلَمَّا غَلَبَ أَيُّوبُ إِبْلِيسَ وَلَمْ يَسْتَطِعْ مِنْهُ شَيْئًا اعْتَرَضَ امْرَأَتَهُ فِي هَيْئَةٍ لَيْسَتْ كَهَيْئَةِ بَنِي آدَمَ فِي الْعِظَمِ وَالْجِسْمِ وَالْجَمَالِ عَلَى مَرْكَبٍ لَيْسَ مِنْ مَرَاكِبِ النَّاسِ لَهُ عِظَمٌ وَبَهَاءٌ وَكَمَالٌ، فَقَالَ لَهَا أَنْتِ صَاحِبَةُ أَيُّوبَ هَذَا الرَّجُلُ الْمُبْتَلَى، قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَهَلْ تَعْرِفِينِي قَالَتْ لَا قَالَ أَنَا إِلَهُ الْأَرْضِ وَأَنَا الَّذِي صَنَعْتُ بِصَاحِبِكِ مَا صنعت لأنه عبد الله إِلَهَ السَّمَاءِ وَتَرَكَنِي فَأَغْضَبَنِي وَلَوْ سَجَدَ لِي سَجْدَةً وَاحِدَةً رَدَدْتُ عَلَيْهِ وَعَلَيْكِ كُلَّ مَا كَانَ لَكُمَا مِنْ مَالٍ وَوَلَدٍ، فَإِنَّهُ عِنْدِي ثُمَّ أَرَاهَا إِيَّاهُمْ بِبَطْنِ الْوَادِي الَّذِي لَقِيَهَا [2] فِيهِ، قَالَ وَهْبٌ: وَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ لَهَا لَوْ أَنَّ صَاحِبَكِ أَكَلَ طَعَامًا وَلَمْ يُسَمِّ اللَّهَ عَلَيْهِ لَعُوفِيَ مِمَّا بِهِ مِنَ الْبَلَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ: إِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ لَهَا اسْجُدِي لِي سَجْدَةً حَتَّى أَرُدَّ عليك المال والولد وَأُعَافِيَ زَوْجَكِ، فَرَجَعَتْ إِلَى أَيُّوبَ فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا قَالَ لَهَا وَمَا أَرَاهَا قَالَ لَقَدْ أَتَاكِ عَدُوُّ الله إبليس لِيَفْتِنَكِ عَنْ دِينِكِ، ثُمَّ أَقْسَمَ لو إِنْ عَافَاهُ اللَّهُ لَيَضْرِبَنَّهَا مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: مَسَّنِيَ الضُّرُّ مِنْ طَمَعِ إِبْلِيسَ فِي سُجُودِ حُرْمَتِي لَهُ، وَدُعَائِهِ إِيَّاهَا وَإِيَّايَ إِلَى الْكُفْرِ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَحِمَ رَحْمَةَ امْرَأَةَ أَيُّوبَ بِصَبْرِهَا مَعَهُ عَلَى الْبَلَاءِ، وَخَفَّفَ عَلَيْهَا وَأَرَادَ أَنْ يَبِرَّ يَمِينُ أَيُّوبَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ ضِغْثًا يَشْتَمِلُ عَلَى مِائَةِ عُودٍ صِغَارٍ فَيَضْرِبُهَا بِهِ ضَرْبَةً واحدة كما قال الله تَعَالَى: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ [ص: 44] .
وَرُوِيَ أَنَّ إِبْلِيسَ اتَّخَذَ تَابُوتًا وَجَعَلَ فِيهِ أَدْوِيَةً وَقَعَدَ عَلَى طَرِيقِ امْرَأَتِهِ يُدَاوِي النَّاسَ فَمَرَّتْ بِهِ امْرَأَةُ أَيُّوبَ فَقَالَتْ: يَا شَيْخُ إِنَّ لِي مَرِيضًا أَفَتُدَاوِيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ لَا أُرِيدُ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَقُولَ إِذَا شَفَيْتُهُ أَنْتَ شَفَيْتَنِي، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِأَيُّوبَ فَقَالَ هُوَ إِبْلِيسُ قَدْ خَدَعَكِ، ثم حلف إِنْ شَفَاهُ اللَّهُ أَنْ يَضْرِبَهَا مِائَةَ جَلْدَةٍ.
وَقَالَ وَهْبٌ وَغَيْرُهُ: كَانَتِ امْرَأَةُ أَيُّوبَ تَعْمَلُ لِلنَّاسِ وَتَجِيئُهُ بِقُوتِهِ فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ البلاء وسئمها الناس ولم يستعملها أحد التمست يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ مَا تُطْعِمُهُ فَمَا وَجَدَتْ شَيْئًا فَجَزَّتْ [3] قَرْنًا مِنْ رَأْسِهَا، فَبَاعَتْهُ بِرَغِيفٍ فَأَتَتْهُ بِهِ فَقَالَ لَهَا أَيْنَ قَرْنُكِ فَأَخْبَرَتْهُ فَحِينَئِذٍ قَالَ: مَسَّنِيَ الضُّرُّ، وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ حين قصدت الدودة إِلَى قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ فَخَشِيَ أَنْ يَفْتُرَ عَنِ الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ.
وَقَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ: لَمْ يَدْعُ اللَّهَ بِالْكَشْفِ عَنْهُ حَتَّى ظَهَرَتْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا قدم عليه صديقان [له] [4] حِينَ بَلَغَهُمَا خَبَرُهُ فَجَاءَا إِلَيْهِ ولم يبق إلّا عيناه رأيا أَمْرًا عَظِيمًا فَقَالَا: لَوْ كَانَ لَكَ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ مَا أَصَابَكَ هَذَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ امْرَأَتَهُ طَلَبَتْ طَعَامًا فَلَمْ تَجِدْ مَا تُطْعِمُهُ فَبَاعَتْ ذُؤَابَتَهَا وَحَمَلَتْ إِلَيْهِ طَعَامًا.
وَالثَّالِثُ: قَوْلُ إِبْلِيسَ إِنِّي أُدَاوِيهِ عَلَى أَنْ يَقُولَ أَنْتَ شفيتني. وقيل: إن إبليس [لعنه الله] [5] وَسْوَسَ إِلَيْهِ أَنَّ امْرَأَتَكَ زَنَتْ. فَقَطَعَتْ ذُؤَابَتَهَا فَحِينَئِذٍ عِيلَ صَبْرُهُ، فدعاه [وقال مسني الضر] [6] وحلف ليضربنّها