وخلقت من غضب، تريد الْمُبَالَغَةُ فِي وَصْفِهِ بِذَلِكَ، يَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا [الإسراء: 11] ، وَقَالَ قَوْمُّ: مَعْنَاهُ خُلِقَ الْإِنْسَانُ يَعْنِي آدَمَ مِنْ تَعْجِيلٍ فِي خَلْقِ اللَّهِ إِيَّاهُ، لِأَنَّ خَلْقَهُ كَانَ بَعْدَ خَلْقِ كُلِّ شَيْءٍ فِي آخِرِ النَّهَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَسْرَعَ فِي خَلْقِهِ قَبْلَ مَغِيبِ الشمس. وقال مُجَاهِدُّ: فَلَمَّا أَحْيَا الرُّوحُ رَأْسَهُ [قَالَ] [1] يَا رَبِّ اسْتَعْجِلْ بِخَلْقِي قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَقِيلَ: بِسُرْعَةٍ وَتَعْجِيلٍ عَلَى غَيْرِ تَرْتِيبِ خَلْقِ سائر الآدميين من النطفة ثم العلقة ثم المضغة وَغَيْرِهَا. وَقَالَ قَوْمُّ: مِنْ عَجَلٍ أَيْ مِنْ طِينٍ، قَالَ الشَّاعِرُ:
والنبع في الصخرة الصماء منتبه [2] ... وَالنَّخْلُ يَنْبُتُ بَيْنَ المَاءِ وَالْعَجَلِ
سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ، [هذا خطاب للمشركين] [3] ، نَزَلَ هَذَا فِي الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَسْتَعْجِلُونَ الْعَذَابَ، وَيَقُولُونَ أَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي النَّضِرِ بْنِ الْحَارِثِ، فَقَالَ تعالى: سَأُرِيكُمْ آياتِي أي مواعيد [عذابي] [4] فَلَا تَسْتَعْجِلُونَ، أَيْ فَلَا تَطْلُبُوا الْعَذَابَ مِنْ [قَبْلِ] [5] وَقْتِهِ، فَأَرَاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقِيلَ: كَانُوا يَسْتَعْجِلُونَ الْقِيَامَةَ.
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) ، فَقَالَ تَعَالَى: لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ، لَا يَدْفَعُونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ، قِيلَ: وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمُ السِّيَاطَ، وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ، يُمْنَعُونَ مِنْ الْعَذَابِ، وَجَوَابُ لَوْ فِي قَوْلِهِ: لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ مَحْذُوفٌ مَعْنَاهُ: لو عَلِمُوا لَمَا أَقَامُوا عَلَى كُفْرِهِمْ، ولما استعجلوا [العذاب] [6] ، وَلَا قَالُوا مَتَى هَذَا الْوَعْدُ.
بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (40) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (41) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43)
بَلْ تَأْتِيهِمْ، يَعْنِي السَّاعَةَ بَغْتَةً، فَجْأَةً، فَتَبْهَتُهُمْ، أَيْ تُحَيِّرُهُمْ، يُقَالُ فُلَانٌ مَبْهُوتٌ أَيْ مُتَحَيِّرٌ، فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ، يُمْهَلُونَ.
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ، نَزَلَ، بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ، أَيْ جَزَاءُ اسْتِهْزَائِهِمْ.
قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ، يَحْفَظُكُمْ، بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ، إِنْ أَنْزَلَ بِكُمْ عَذَابَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
مَنْ يَمْنَعُكُمْ مِنْ عَذَابِ الرَّحْمَنِ، بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ، عَنِ الْقُرْآنِ وَمَوَاعِظِ اللَّهِ، مُعْرِضُونَ.
أَمْ لَهُمْ، أي: صِلَةٌ فِيهِ، وَفِي أَمْثَالِهِ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا، فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ مِنْ دُونِنَا تَمْنَعُهُمْ، ثُمَّ وَصَفَ الْآلِهَةَ بِالضَّعْفِ، فَقَالَ تَعَالَى: لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ، مَنْعَ أَنْفُسِهِمْ، فَكَيْفَ يَنْصُرُونَ عَابِدِيهِمْ، وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يمنعون. وقال عطية عنه: