نَفْسَهُ فَقَالَ: فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ، يعني عَمَّا يَصِفُهُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الشريك والولد.
لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، ويحكم في [1] خلقه لأنه الربّ وَهُمْ يُسْئَلُونَ [أَيِ الْخَلْقُ يُسْأَلُونَ] [2] ، عَنْ أَفْعَالِهِمْ وأعمالهم لأنهم عبيد.
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)
وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً، اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَتَوْبِيخٍ، قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ، يعني حُجَّتَكُمْ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ مُسْتَأْنِفًا، هَذَا، يَعْنِي الْقُرْآنَ. ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ، فِيهِ خَبَرُ مَنْ مَعِيَ عَلَى دِينِي وَمَنْ يَتَّبِعُنِي [3] إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِمَا لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْعِقَابِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. وَذِكْرُ، خَبَرُ، مَنْ قَبْلِي، مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ مَا فَعَلَ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَمَا يُفْعَلُ بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ. وَعَنِ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ: الْقُرْآنُ، وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي: التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ، وَمَعْنَاهُ: رَاجِعُوا الْقُرْآنَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَسَائِرَ الْكُتُبِ هَلْ تَجِدُونَ فِيهَا أَنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ وَلَدًا، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ.
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ «نوحي» بِالنُّونِ وَكَسْرِ الْحَاءِ عَلَى التَّعْظِيمِ، لقوله: وَما أَرْسَلْنا [الإسراء: 54] ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى الْفِعْلِ الْمَجْهُولِ، أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ، وَحِّدُونِ.
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً، نَزَلَتْ فِي خُزَاعَةَ حَيْثُ قَالُوا الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، سُبْحانَهُ، نَزَّهَ نَفْسَهُ عَمَّا قَالُوا، بَلْ عِبادٌ، أَيْ هُمْ عِبَادٌ، يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ، مُكْرَمُونَ.
لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ، لَا يَتَقَدَّمُونَهُ بِالْقَوْلِ وَلَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا بِمَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ، وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ، مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا يُخَالِفُونَهُ قَوْلًا وفعلا [4] .
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ، [أَيْ مَا عَمِلُوا وَمَا هُمْ عَامِلُونَ. وَقِيلَ: مَا كَانَ قَبْلَ خَلْقِهِمْ وَمَا يَكُونُ بَعْدَ خَلْقِهِمْ] [5] ، وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى، قال ابن عباس: لِمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وقال مجاهد:
إِلَّا لِمَنْ رَضِيَ [اللَّهُ] [6] عَنْهُ، وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ، [أي] خَائِفُونَ لَا يَأْمَنُونَ مَكْرَهُ.
وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ، قَالَ قَتَادَةُ [7] : عَنَى بِهِ إِبْلِيسَ حِينَ دَعَا إِلَى عِبَادَةِ نَفْسِهِ وَأَمَرَ بِطَاعَةِ نَفْسِهِ، فَإِنَّ أَحَدًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَمْ يَقُلْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ، الْوَاضِعِينَ الْإِلَهِيَّةَ وَالْعِبَادَةَ فِي غير موضعها.