وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً، مُعِينًا وَظَهِيرًا، مِنْ أَهْلِي وَالْوَزِيرُ مَنْ يُوَازِرُكَ وَيُعِينُكَ وَيَتَحَمَّلُ عَنْكَ بَعْضَ ثِقَلِ عَمَلِكَ، ثُمَّ بَيَّنَ مَنْ هُوَ فَقَالَ:

هارُونَ أَخِي (30) ، وَكَانَ هَارُونُ أَكْبَرَ مِنْ مُوسَى بِأَرْبَعِ سِنِينَ وَكَانَ أَفْصَحَ مِنْهُ لِسَانًا وَأَجْمَلَ وأوسم، أبيض اللَّوْنِ، وَكَانَ مُوسَى آدَمَ أَقْنَى أجعد.

اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) ، قَوِّ بِهِ ظهري.

وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) ، يعني فِي النُّبُوَّةِ وَتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ «أَشْدُدْ» بِفَتْحِ الْأَلِفِ «وَأُشْرِكْهُ» بِضَمِّهَا عَلَى الْجَوَابِ حِكَايَةً عن موسى يعني أَفْعَلُ ذَلِكَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ عَلَى الدُّعَاءِ، وَالْمَسْأَلَةِ عَطْفًا عَلَى مَا تقدم من قوله: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) .

كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33) ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: نُصَلِّي لَكَ كَثِيرًا.

وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (34) ، نَحْمَدُكَ وَنُثْنِي عَلَيْكَ بِمَا أَوْلَيْتَنَا مِنْ نِعَمِكَ.

إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (35) ، خَبِيرًا عَلِيمًا.

قالَ، اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أُوتِيتَ، أُعْطِيتَ، سُؤْلَكَ، جَمِيعَ مَا سَأَلْتَهُ، يَا مُوسى.

وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ، أَنْعَمْنَا عَلَيْكَ، مَرَّةً أُخْرى، يَعْنِي قَبْلَ هَذِهِ الْمَرَّةِ وَهِيَ:

إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ، وَحْيُ إِلْهَامٍ، مَا يُوحى، مَا يُلْهَمُ. ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ الْإِلْهَامَ وَعَدَّدَ نِعَمَهُ عليه فقال:

[سورة طه (20) : الآيات 39 الى 40]

أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (40)

أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ، يعني أَلْهَمْنَاهَا أَنِ اجْعَلِيهِ فِي التَّابُوتِ، فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ، يَعْنِي نَهْرَ النِّيلِ، فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ، يَعْنِي شاطىء النَّهْرِ، لَفْظُهُ أَمْرٌ وَمَعْنَاهُ خَبَرٌ، ومجازه حَتَّى يُلْقِيَهُ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ، يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ، يَعْنِي فِرْعَوْنَ، فَاتَّخَذَتْ تَابُوتًا وَجَعَلَتْ فِيهِ قُطْنًا مَحْلُوجًا وَوَضَعَتْ فِيهِ مُوسَى وَقَيَّرَتْ رَأْسَهَ وَخَصَاصَهُ يَعْنِي شُقُوقَهُ ثُمَّ أَلْقَتْهُ فِي النِّيلِ، وَكَانَ يَشْرَعُ مِنْهُ نَهْرٌ كَبِيرٌ فِي دَارِ فِرْعَوْنَ، فَبَيْنَمَا فِرْعَوْنُ جَالِسٌ عَلَى رَأْسِ الْبِرْكَةِ مَعَ امْرَأَتِهِ آسية إذ التابوت [1] يَجِيءُ بِهِ الْمَاءُ فَأَمَرَ الْغِلْمَانَ وَالْجَوَارِيَ بِإِخْرَاجِهِ، فَأَخْرَجُوهُ وَفَتَحُوا رَأْسَهُ فَإِذَا صَبِيٌّ مِنْ أَصْبَحِ النَّاسِ وَجْهًا، فَلَمَّا رَآهُ فِرْعَوْنُ أَحَبَّهُ بحيث لم يتمالك [لبه في محبته] [2] ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَحَبَّهُ وَحَبَّبَهُ إِلَى خَلْقِهِ. قَالَ عِكْرِمَةُ: مَا رَآهُ أَحَدٌ إِلَّا أَحَبَّهُ. قَالَ قَتَادَةُ: مَلَاحَةٌ كَانَتْ فِي عَيْنَيْ مُوسَى، مَا رَآهُ أَحَدٌ إِلَّا عَشِقَهُ. وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي، أي لِتُرَبَّى بِمَرْأَى وَمَنْظَرٍ مِنِّي، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَلِتُصْنَعَ بِالْجَزْمِ.

إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ، وَاسْمُهَا مَرْيَمُ مُتَعَرِّفَةً خَبَرَهُ، فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ، أَيْ عَلَى امْرَأَةٍ تُرْضِعُهُ وَتَضُمُّهُ إِلَيْهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْبَلُ ثَدْيَ امْرَأَةٍ فلما قالت لهم أخته ذلك قالوا: نعم، فجاءت بالأم [فضمته وألقمته ثديها] [3] فَقَبِلَ ثَدْيَهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015