الظُّهْرَ مِنَ الْغَدِ. قِيلَ فِي الْآيَةِ إِضْمَارٌ مَعْنَاهُ: نَسِيتُ أَنْ أَذْكُرَ لَكَ أَمْرَ الْحُوتِ، ثُمَّ قَالَ: وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، أَيْ وَمَا أَنْسَانِي أَنْ أَذْكُرَ لَكَ أَمْرَ الْحُوتِ إِلَّا الشَّيْطَانُ، وَقَرَأَ حَفْصٌ: أَنْسانِيهُ، وَفِي الْفَتْحِ [10] عَلَيْهُ اللَّهَ بِضَمِّ الْهَاءِ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنْسَانِيهُ لِئَلَّا أَذْكُرَهُ، وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً، قِيلَ هَذَا مِنْ قَوْلِ يوشع، يقول طَفَرَ الْحُوتُ إِلَى الْبَحْرِ فَاتَّخَذَ فِيهِ مَسْلَكًا فَعَجِبْتُ مِنْ ذَلِكَ عَجَبًا. وَرُوِّينَا فِي الْخَبَرِ: كَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا وَلِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا. وَقِيلَ: هَذَا مِنْ قَوْلِ مُوسَى لَمَّا قَالَ لَهُ يُوشَعُ وَاتَّخَذَ سبيله في البحر سربا، قَالَ لَهُ مُوسَى: عَجَبًا، كَأَنَّهُ قَالَ: أَعْجَبُ عَجَبًا. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَيُّ شَيْءٍ أَعْجَبُ مِنْ حوت يؤكل منه دهرا ثم صار حيا بعد ما أُكِلَ بَعْضُهُ.

قالَ. مُوسَى ذلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ، أَيْ: نَطْلُبُ، فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً أَيْ: رجعا يقصان الأثر الذي جاءا [1] منه يبتغيانه، فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا، قِيلَ: كَانَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي جَاءَ فِي التَّوَارِيخِ، وَثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ الْخَضِرُ، وَاسْمُهُ بَلِيَا بْنُ مَلْكَانَ، قِيلَ: كَانَ مِنْ نَسْلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقِيلَ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ الَّذِينَ تَزَهَّدُوا فِي الدُّنْيَا، وَالْخَضِرُ لَقَبٌ لَهُ [سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا] [2] :

«1367» أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قال: ثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ خَضِرًا لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَإِذَا هي تهتز تحته خضرا» .

قَالَ مُجَاهِدٌ: سُمِّيَ خَضِرًا لِأَنَّهُ إِذَا صَلَّى اخْضَرَّ مَا حَوْلَهُ.

وَرُوِّينَا أَنَّ مُوسَى رَأَى الْخَضِرَ مُسَجًّى بِثَوْبٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ الخضر وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ، فَقَالَ:

أَنَا موسى أتيتك لتعملني مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا [3] .

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَقِيَهُ مُسَجًّى بِثَوْبٍ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ، بَعْضُ الثَّوْبِ تَحْتَ رَأْسِهِ وَبَعْضُهُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لَقِيَهُ وَهُوَ يُصَلِّي. وَيُرْوَى لَقِيَهُ عَلَى طُنْفُسَةٍ خَضْرَاءَ عَلَى كَبِدِ الْبَحْرِ.

فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً، أَيْ نِعْمَةً، مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً، أَيْ عِلْمَ الْبَاطِنِ إِلْهَامًا وَلَمْ يَكُنِ الْخَضِرُ نَبِيًّا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ [يقول جئت لأتبعك] [4] وأصبحك، عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ: رُشْداً بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالشِّينِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ، أَيْ صَوَابًا. وَقِيلَ: عِلْمًا تُرْشِدُنِي بِهِ. وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهُ مُوسَى هَذَا قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: كَفَى بِالتَّوْرَاةِ علما ببني [5] إِسْرَائِيلَ شُغْلًا، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِهَذَا فَحِينَئِذٍ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015