قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ لَبِثُوا ثلاثمائة شمسية والله تعالى ذكر ثلاثمائة قَمَرِيَّةً وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الشَّمْسِيَّةِ وَالْقَمَرِيَّةِ فِي كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ ثَلَاثَ سنين، فيكون في الثلاثمائة تِسْعُ سِنِينَ، فَلِذَلِكَ قَالَ: وَازْدَادُوا تِسْعاً. لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، فالغيب ما يغيب عن إدراكك وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَغِيبُ عَنْ إِدْرَاكِهِ شَيْءٌ. أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ أَيْ: مَا أَبْصَرَ اللَّهَ بِكُلِّ مَوْجُودٍ وَأَسْمَعَهُ لِكُلِّ مَسْمُوعٍ، أَيْ لَا يَغِيبُ عَنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ شَيْءٌ، مَا لَهُمْ أَيْ: مَا لِأَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، مِنْ دُونِهِ أَيْ مِنْ دُونِ اللَّهِ، مِنْ وَلِيٍّ نَاصِرٍ] [1] ، وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ: «وَلَا تُشْرِكْ» بِالتَّاءِ عَلَى الْمُخَاطَبَةِ وَالنَّهْيِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ الياء أَيْ لَا يُشْرِكُ اللَّهُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا. وَقِيلَ: الْحُكْمُ هَنَا عِلْمُ الْغَيْبِ أَيْ لَا يُشْرِكُ في علم غيبه أحدا.

قوله عزّ وجلّ: وَاتْلُ أي: وَاقْرَأْ يَا مُحَمَّدُ، مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ، يَعْنِي الْقُرْآنَ، وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ، لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَا مُغَيِّرَ لِلْقُرْآنِ. وَقِيلَ: لَا مُغَيِّرَ لِمَا أَوْعَدَ بِكَلِمَاتِهِ أَهْلَ مَعَاصِيهِ، وَلَنْ تَجِدَ، أَنْتَ، مِنْ دُونِهِ، إِنْ لَمْ تَتَّبِعِ الْقُرْآنَ، مُلْتَحَداً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: حِرْزًا. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَدْخَلًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَلْجَأً. وَقِيلَ: مَعْدَلًا. وَقِيلَ: مَهْرَبًا. وَأَصْلُهُ مِنَ الْمَيْلِ.

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ الْآيَةَ.

«1349» نَزَلَتْ فِي عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيِّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ فِيهِمْ سَلْمَانُ وَعَلَيْهِ شَمْلَةٌ قَدْ عَرِقَ فِيهَا وَبِيَدِهِ خُوصَةٌ يَشُقُّهَا ثُمَّ يَنْسِجُهَا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا يُؤْذِيكَ رِيحُ هَؤُلَاءِ وَنَحْنُ سَادَاتُ مُضَرَ وَأَشْرَافُهَا، فَإِنْ أَسْلَمْنَا أَسْلَمَ النَّاسُ وَمَا يَمْنَعُنَا مِنَ اتِّبَاعِكَ إِلَّا هَؤُلَاءِ فَنَحِّهِمْ [عَنْكَ] [2] حَتَّى نَتْبَعَكَ أَوِ اجْعَلْ لَنَا مَجْلِسًا وَلَهُمْ مَجْلِسًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجلّ: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ.

أي: واحبس يَا مُحَمَّدُ نَفْسَكَ، مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ، طَرَفَيِ النَّهَارِ، يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، أَيْ: يُرِيدُونَ اللَّهَ لَا يُرِيدُونَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا.

«1350» قَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ الصُّفَةِ وَكَانُوا سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ فُقَرَاءَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يَرْجِعُونَ إِلَى تِجَارَةٍ وَلَا إلى زرع ولا ضرع ويصلون صَلَاةً وَيَنْتَظِرُونَ أُخْرَى، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَهُمْ» .

وَلا تَعْدُ أَيْ: لَا تَصْرِفْ وَلَا تَتَجَاوَزْ، عَيْناكَ عَنْهُمْ، إِلَى غَيْرِهِمْ، تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015