فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ، أَيْ: أَنَمْنَاهُمْ وَأَلْقَيْنَا عَلَيْهِمُ النَّوْمَ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَنَعْنَا نُفُوذَ الْأَصْوَاتِ إِلَى مَسَامِعِهِمْ، فَإِنَّ النَّائِمَ إِذَا سَمِعَ الصَّوْتَ يَنْتَبِهُ، فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً، أَيْ: أَنَمْنَاهُمْ سِنِينَ مَعْدُودَةً وَذِكْرُ الْعَدَدِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ. وَقِيلَ: ذِكْرُهُ يَدُلُّ عَلَى الْكَثْرَةِ فَإِنَّ الْقَلِيلَ لَا يُعَدُّ فِي الْعَادَةِ.

ثُمَّ بَعَثْناهُمْ، يَعْنِي مِنْ نَوْمِهِمْ، لِنَعْلَمَ أَيْ: عِلْمَ الْمُشَاهَدَةِ، أَيُّ الْحِزْبَيْنِ، أَيُّ الطَّائِفَتَيْنِ، أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً. وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْقَرْيَةِ تَنَازَعُوا فِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ فِي الْكَهْفِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ:

أَحْصى لِما لَبِثُوا [أي] [1] أَحْفَظُ لِمَا مَكَثُوا فِي كَهْفِهِمْ نِيَامًا [أَمَدًا] أَيْ: غَايَةً. وَقَالَ مجاهد: عددا. نصبه عَلَى التَّفْسِيرِ.

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَقْرَأُ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ، خَبَرَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ. بِالْحَقِّ، بِالصِّدْقِ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ، شُبَّانٌ، آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً، إيمانا وبصيرة.

وَرَبَطْنا، وشددنا، عَلى قُلُوبِهِمْ، بِالصَّبْرِ وَالتَّثْبِيتِ وَقَوَّيْنَاهُمْ بِنُورِ الْإِيمَانِ حَتَّى صَبَرُوا عَلَى هِجْرَانِ دَارِ قَوْمِهِمْ وَمُفَارَقَةِ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ [الْعِزِّ] وَخِصْبِ [2] الْعَيْشِ وَفَرُّوا بِدِينِهِمْ إِلَى الْكَهْفِ، إِذْ قامُوا، بَيْنَ يَدَيْ دِقْيَانُوسَ حِينَ عَاتَبَهُمْ عَلَى تَرْكِ عِبَادَةِ الأصنام، فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً، قَالُوا ذَلِكَ لِأَنَّ قَوْمَهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً، يَعْنِي إِنْ دَعَوْنَا غَيْرَ اللَّهِ لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا، قَالَ ابْنُ عباس: جوزا. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَذِبًا. وَأَصْلُ الشَّطَطِ وَالْإِشْطَاطِ مُجَاوَزَةُ الْقَدْرِ وَالْإِفْرَاطُ.

هؤُلاءِ قَوْمُنَا، يَعْنِي أَهْلَ بَلَدِهِمْ، اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ، أَيْ: مِنْ دُونِ اللَّهِ، آلِهَةً، يَعْنِي الْأَصْنَامَ يَعْبُدُونَهَا، لَوْلا، أَيْ: هَلَّا، يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ، أَيْ: عَلَى عِبَادَتِهِمْ، بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ، بِحُجَّةٍ وَاضِحَةٍ [تُبَيِّنُ وَتُوَضِّحُ أَنَّ الْأَصْنَامَ تَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ مِنْ دُونِ اللَّهِ] [3] فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً، وَزَعْمَ أَنَّ لَهُ شريكا أو ولدا.

[سورة الكهف (18) : الآيات 16 الى 17]

وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (17)

ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ، يعني قومكم، وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ، قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ «وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» ، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ فَمَعْنَاهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ اللَّهَ ويعبدون معه الأوثان، يقول: إذ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَجَمِيعَ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا الله فإنكم لم تعتزلوا، فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ، فَالْجَأُوا إِلَيْهِ، يَنْشُرْ لَكُمْ، يَبْسُطْ لَكُمْ، رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ، يُسَهِّلْ لَكُمْ، مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً أَيْ: ما يعود

طور بواسطة نورين ميديا © 2015