الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ، أَثْنَى اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ بِإِنْعَامِهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَخَصَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذِّكْرِ، لِأَنَّ إِنْزَالَ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ كَانَ نِعْمَةً عَلَيْهِ عَلَى الْخُصُوصِ وَعَلَى سَائِرِ النَّاسِ عَلَى الْعُمُومِ.
وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً.
قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (?) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (?) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (?) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (?) فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6)
إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7)
قَيِّماً، فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ مَعْنَاهُ أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ قَيِّمًا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّماً أَيْ مُسْتَقِيمًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَدْلًا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: قَيِّمًا عَلَى الْكُتُبِ كُلِّهَا أَيْ: مُصَدِّقًا لَهَا ناسخا لشرائعها.
وقال قتادة: ليسى عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بَلْ مَعْنَاهُ: أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا، وَلَكِنْ جَعَلَهُ قيما. قوله عزّ وجلّ: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً [وَلَمْ يَكُنْ] [1] مُخْتَلِفًا، عَلَى مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النِّسَاءُ: 82] وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَمْ يَجْعَلْهُ مَخْلُوقًا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ [تعالى] [2] قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ [الزُّمُرُ: 28] أَيْ: غَيْرَ مَخْلُوقٍ. لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً، أَيْ [لِيُنْذِرَ] [3] بِبَأْسٍ شَدِيدٍ، مِنْ لَدُنْهُ، أَيْ مِنْ عِنْدِهِ، وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً، أَيِ الْجَنَّةَ.
ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (?) أَيْ: مُقِيمِينَ فِيهِ.
وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (?) .
مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ، أَيْ قَالُوهُ عَنْ جَهْلٍ لَا عَنْ عِلْمٍ، كَبُرَتْ، أَيْ: عَظُمَتْ، كَلِمَةً، نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ [4] ، تَقْدِيرُهُ: كَبُرَتِ الْكَلِمَةُ كَلِمَةً. وَقِيلَ: مِنْ كَلِمَةٍ، فَحُذِفَ «مِنْ» فَانْتَصَبَ، تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ أَيْ: تَظْهَرُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ، إِنْ يَقُولُونَ، مَا يَقُولُونَ، إِلَّا كَذِباً.
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ [قاتل نَفْسَكَ] [5] عَلى آثارِهِمْ، مِنْ بَعْدِهِمْ، إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ، أَيِ: الْقُرْآنِ، أَسَفاً، أَيْ حُزْنًا وَقِيلَ غَضَبًا.
إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها، فَإِنْ قِيلَ: أَيُّ زِينَةٍ فِي الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالشَّيَاطِينِ؟ قِيلَ: فِيهَا زِينَةٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أراد به الرجال خاصة هم زينة الأرض. وقيل: أراد به الْعُلَمَاءَ وَالصُّلَحَاءَ.
وَقِيلَ: الزِّينَةُ بِالنَّبَاتِ وَالْأَشْجَارِ وَالْأَنْهَارِ، كَمَا قَالَ: حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ [يُونُسُ: 24] ، لِنَبْلُوَهُمْ، لِنَخْتَبِرَهُمْ، أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، أَيْ أَصْلَحُ عَمَلًا. وَقِيلَ: أيهم أترك للدنيا.