وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً أَيْ: خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ أَنَا جِئْتُ بِهِ، وَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ إِبْلِيسَ حَتَّى أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابِ الأرض من عذبها ومالحها فَخَلَقَ مِنْهُ آدَمَ، فَمَنْ خَلَقَهُ من العذاب فَهُوَ سَعِيدٌ وَإِنْ كَانَ ابْنَ كافرين، ومن خلقه من المالح [1] فَهُوَ شَقِيٌّ وَإِنْ كَانَ ابْنَ مؤمنين [2] .

قالَ، يَعْنِي إِبْلِيسُ، أَرَأَيْتَكَ أَيْ أَخْبِرْنِي وَالْكَافُ لِتَأْكِيدِ الْمُخَاطَبَةِ، هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ أَيْ: فَضَّلْتَهُ عَلَيَّ: لَئِنْ أَخَّرْتَنِ أَمْهَلْتَنِي إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ أَيْ: لَأَسْتَأْصِلَنَّهُمْ بِالْإِضْلَالِ، يُقَالُ احْتَنَكَ الْجَرَادُ الزَّرْعَ إِذَا أَكَلَهُ كُلَّهُ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ حَنَّكَ الدَّابَّةَ يُحَنِّكُهَا [3] إِذَا شَدَّ فِي حنكها الأسفل حبلا يقودها [به] [4] ، أَيْ لَأَقُودَنَّهُمْ كَيْفَ شِئْتُ. وَقِيلَ: لَأَسْتَوْلِيَنَّ عَلَيْهِمْ بِالْإِغْوَاءِ، إِلَّا قَلِيلًا، يَعْنِي الْمَعْصُومِينَ الَّذِينَ اسْتَثْنَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ [الْحِجْرِ: 42] .

قالَ اللَّهُ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ أي: جزاءك وَجَزَاءُ أَتْبَاعِكَ، جَزاءً مَوْفُوراً، وَافِرًا مكملا، تقول [5] : وفرته أوفره وفرا.

[سورة الإسراء (17) : آية 64]

وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (64)

وقوله: وَاسْتَفْزِزْ [أي] [6] استخفف [واستزل] [7] وَاسْتَجْهِدْ [8] مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ، أَيْ: مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ، بِصَوْتِكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: بِدُعَائِكَ إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَكُلُّ دَاعٍ إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ جُنْدِ إِبْلِيسَ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَعْنَاهُ ادْعُهُمْ دعاء تستفزهم به إلى إجابتك [9] ، أَيْ: تَسْتَخِفُّهُمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:

بِالْغِنَاءِ وَالْمَزَامِيرِ، وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ، قِيلَ: اجْمَعْ عَلَيْهِمْ مَكَايِدَكَ وَخَيْلَكَ، يقال: أجلبوا وجلبوا إِذَا صَاحُوا، يَقُولُ: صِحْ بِخَيْلِكَ ورجلك واحتثهم [10] بالإغواء، [و] قَالَ مُقَاتِلٌ: اسْتَعِنْ عَلَيْهِمْ بِرُكْبَانِ جُنْدِكَ وَمُشَاتِهِمْ، وَالْخَيْلُ: الرُّكْبَانِ، وَالرَّجِلُ: الْمُشَاةُ.

قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: كُلُّ رَاكِبٍ وَمَاشٍ فِي مَعَاصِي اللَّهِ فَهُوَ مِنْ جُنْدِ إِبْلِيسَ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: إِنَّ لَهُ خَيْلًا وَرَجِلًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَهُوَ كُلُّ مَنْ يُقَاتِلُ فِي الْمَعْصِيَةِ، وَالرَّجُلُ وَالرَّجَّالَةُ وَالرَّاجِلَةُ وَاحِدٌ، يُقَالُ: رَاجِلٌ وَرَجُلٌ مِثْلُ تَاجِرٍ وَتَجُرٍّ وراكب وركب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015