وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْخَفْضِ نَعْتًا لِلْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، وَكَانَ يَعْقُوبُ إِذَا وَصَلَ خَفَضَ وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو:
الْخَفْضُ على التقديم والتأخير تقديره [1] إِلَى صِرَاطِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ.
الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (?) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (?) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (?) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (?)
الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ، يَخْتَارُونَ، الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، أَيْ: يَمْنَعُونَ النَّاسَ عَنْ قَبُولِ دِينِ اللَّهِ، وَيَبْغُونَها عِوَجاً [أَيْ] [2] يَطْلُبُونَهَا زَيْغًا وَمَيْلًا، يُرِيدُ يَطْلُبُونَ سَبِيلَ اللَّهِ جَائِرِينَ عَنِ الْقَصْدِ.
وَقِيلَ: الْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى الدنيا، ومعناه يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا عَلَى طَرِيقِ الْمَيْلِ عن الحق، أي: بجهة الْحَرَامِ.
أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ، بلغتهم ليفهموا عنه [ما يلقيه إليهم] [3] فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ هَذَا وَقَدْ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ؟ قِيلَ: بُعِثَ مِنَ [4] الْعَرَبِ بِلِسَانِهِمْ وَالنَّاسُ تَبَعٌ لَهُمْ ثُمَّ بَثَّ [5] الرُّسُلُ إِلَى الْأَطْرَافِ يَدْعُونَهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيُتَرْجِمُونَ لَهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ، فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ أَيْ: مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ بِالدَّعْوَةِ، وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: بِنِعَمِ اللَّهِ.
وقال مقاتل: بوقائع الله [كما] [6] فِي الْأُمَمِ السَّالِفَةِ. يُقَالُ فُلَانٌ عَالِمٌ بِأَيَّامِ الْعَرَبِ أَيْ بِوَقَائِعِهِمْ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِمَا كَانَ فِي أَيَّامِ اللَّهِ مِنَ النِّعْمَةِ وَالْمِحْنَةِ فَاجْتَزَأَ بِذِكْرِ الْأَيَّامِ عَنْهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ مَعْلُومَةً عِنْدَهُمْ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ، الصبار: الكثير الصبر، والشكور: الْكَثِيرُ الشُّكْرِ، وَأَرَادَ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ لِأَنَّ الصَّبْرَ وَالشُّكْرَ مِنْ خِصَالِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ، قَالَ الْفَرَّاءُ: الْعِلَّةُ [7] الْجَالِبَةُ لِهَذِهِ [8] الْوَاوِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَهُمْ أَنَّ آلَ فِرْعَوْنَ كَانُوا يُعَذِّبُونَهُمْ بِأَنْوَاعٍ الْعَذَابِ غَيْرِ التَّذْبِيحِ، وَبِالتَّذْبِيحِ، وَحَيْثُ طرح الواو في يذبحون ويقتلون أراد تفسير