يَا صاحِبَيِ السِّجْنِ، جَعَلَهُمَا صَاحِبَيِ السجن لكونهما فيه، كما قال [1] لِسُكَّانِ الْجَنَّةِ: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ، وَلِسُكَّانِ النَّارِ: أَصْحَابُ النَّارِ، أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ، أَيْ: آلِهَةٌ شَتَّى هَذَا مِنْ ذَهَبٍ وَهَذَا مِنْ فِضَّةٍ، وَهَذَا مِنْ حَدِيدٍ وَهَذَا أَعْلَى وَهَذَا أَوْسَطُ وَهَذَا أَدْنَى، مُتَبَايِنُونَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ، الَّذِي لَا ثَانِيَ لَهُ، الْقَهَّارُ: الْغَالِبُ عَلَى الْكُلِّ، ثُمَّ بَيَّنَ عَجْزَ الْأَصْنَامِ فَقَالَ:

مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ، أَيْ: مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَقَدِ ابْتَدَأَ الْخِطَابَ لِلِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ أَرَادَ جَمِيعَ أَهْلِ السِّجْنِ، وَكُلَّ مَنْ هُوَ عَلَى [مِثْلِ حَالِهِمَا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ] [2] ، إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها، آلِهَةً وَأَرْبَابًا خَالِيَةً عَنِ الْمَعْنَى لَا حَقِيقَةَ لِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ، أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ، حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ، إِنِ الْحُكْمُ، مَا الْقَضَاءُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، الْمُسْتَقِيمُ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ فَسَّرَ رُؤْيَاهُمَا، فَقَالَ:

يَا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما، وَهُوَ صَاحِبُ الشَّرَابِ، فَيَسْقِي رَبَّهُ، يَعْنِي الملك، خَمْراً، والعناقيد الثَّلَاثَةُ أَيَّامٍ يَبْقَى فِي السِّجْنِ ثُمَّ يَدْعُوهُ الْمَلِكُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ [3] أيام، ويردّ إِلَى مَنْزِلَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْآخَرُ، يَعْنِي: صَاحِبَ الطَّعَامِ فَيَدْعُوهُ الْمَلِكُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامِ، وَالسِّلَالُ الثَّلَاثُ الثَّلَاثَةُ أَيَّامٍ يَبْقَى في السجن، ثم يخرجه فيأمر به، فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَمَّا سَمِعَا قول يوسف [عليه الصّلاة والسّلام ذلك لهم] [4] قَالَا: مَا رَأَيْنَا شَيْئًا إِنَّمَا كُنَّا نَلْعَبُ، قَالَ يُوسُفُ: قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ، أَيْ: فُرِغَ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي عَنْهُ تَسْأَلَانِ، وَوَجَبَ حُكْمُ اللَّهِ عَلَيْكُمَا بالذي [5] أَخْبَرْتُكُمَا بِهِ، رَأَيْتُمَا أَوْ لَمْ تَرَيَا.

وَقالَ، يَعْنِي: يُوسُفَ عِنْدَ ذلك لِلَّذِي ظَنَّ، [أي] : عَلِمَ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ السَّاقِي، اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ، يَعْنِي: سَيِّدَكَ الْمَلِكَ، وَقُلْ لَهُ إِنَّ فِي السِّجْنِ غُلَامًا مَحْبُوسًا ظُلْمًا طَالَ حَبْسُهُ، فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ، قِيلَ: أَنْسَى الشَّيْطَانُ السَّاقِيَ ذِكْرَ يُوسُفَ لِلْمَلِكِ تَقْدِيرُهُ: فَأَنْسَاهُ الشيطان ذكره لربه. وقال ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ: أَنْسَى الشَّيْطَانُ يُوسُفَ ذِكْرَ رَبِّهِ حِينَ ابْتَغَى الْفَرَجَ مِنْ غَيْرِهِ وَاسْتَعَانَ بِمَخْلُوقٍ، وَتِلْكَ غَفْلَةٌ عَرَضَتْ لِيُوسُفَ مِنَ الشَّيْطَانِ [6] . فَلَبِثَ، فَمَكَثَ، فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْبِضْعِ، فَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى السَّبْعِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى التِّسْعِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا دُونُ الْعَشَرَةِ. وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْبِضْعَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ سَبْعُ سِنِينَ، وَكَانَ قَدْ لَبِثَ قَبْلَهُ خَمْسَ سِنِينَ فَجُمْلَتُهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً. وَقَالَ وَهْبٌ: أَصَابَ أَيُّوبَ الْبَلَاءُ سَبْعَ سِنِينَ، وَتُرِكَ يُوسُفُ فِي السِّجْنِ سَبْعَ سِنِينَ، وَعُذِّبَ بُخْتَنَصَّرُ فَحُوِّلَ فِي السِّبَاعِ سَبْعَ سِنِينَ. قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: لَمَّا قَالَ يُوسُفُ لِلسَّاقِي اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ، قِيلَ لَهُ: يَا يُوسُفُ اتَّخَذْتَ مِنْ دُونِي وَكِيلًا لَأُطِيلَنَّ حَبْسَكَ، فَبَكَى يُوسُفُ، وَقَالَ: يَا رَبِّ أَنْسَى قَلْبِي كَثْرَةُ الْبَلْوَى فَقُلْتُ كَلِمَةً وَلَنْ أَعُودَ. وَقَالَ الْحَسَنُ:

دَخَلَ جِبْرِيلُ عَلَى يُوسُفَ فِي السِّجْنِ، فَلَمَّا رَآهُ يُوسُفُ عَرَفَهُ فَقَالَ لَهُ: يا أخا [7] المنذرين ما لي أراك بين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015