مِثْلِهُ فِي الْأَخْبَارِ وَالْأَحْكَامِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ خَبَرٍ وَلَا وَعْدٍ وَلَا وَعِيدٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مُجَرَّدُ الْبَلَاغَةِ، وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ، وَاسْتَعِينُوا بِمَنِ اسْتَطَعْتُمْ، مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا، يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ. وَقِيلَ: لَفْظُهُ جَمْعٌ وَالْمُرَادُ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ.
فَاعْلَمُوا، قِيلَ: هَذَا خِطَابٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ. وَقِيلَ: مَعَ الْمُشْرِكِينَ، أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ.
وَقِيلَ: أَنْزَلَهُ وَفِيهِ عِلْمُهُ، وَأَنْ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ، أَيْ: فَاعْلَمُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، لَفْظُهُ اسْتِفْهَامٌ وَمَعْنَاهُ أَمْرٌ، أَيْ: أَسْلِمُوا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا، أَيْ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ بِعَمَلِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَزِينَتَها، نَزَلَتْ فِي كُلِّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا يُرِيدُ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها، أَيْ: نُوفِّ [1] لَهُمْ أُجُورَ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا بِسَعَةِ الرِّزْقِ وَدَفْعِ الْمَكَارِهِ وَمَا أَشْبَهَهَا. وَهُمْ فِيها لَا يُبْخَسُونَ، أَيْ: فِي الدُّنْيَا لا ينقص حظّهم.
أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (16) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)
أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيها، أَيْ: فِي الدُّنْيَا، وَبَطَلَ، [و] ما حقّ، مَا كانُوا يَعْمَلُونَ، اخْتَلَفُوا فِي المعنى بهذه الآية، فقال مُجَاهِدٌ: [هُمْ] [2] أَهْلُ الرِّيَاءِ.
«1158» وَرُوِّينَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكَ الْأَصْغَرَ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشِّرْكُ الأصغر؟ قال: «الرياء» .
وقيل: هَذَا فِي الْكُفَّارِ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُرِيدُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ وَإِرَادَتُهُ الْآخِرَةَ غَالِبَةٌ، فَيُجَازَى بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَيُثَابُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ.
«1159» وَرُوِّينَا عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَظْلِمُ الْمُؤْمِنَ حَسَنَةً، يُثَابُ عَلَيْهَا الرِّزْقَ فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطَعِّمُ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُعْطَى بِهَا خَيْرًا» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ [بَيَانٍ] [3] ، مِنْ رَبِّهِ، قِيلَ: فِي الْآيَةِ حَذَفٌ وَمَعْنَاهُ: أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا أَوْ مَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ هُوَ فِي الضَّلَالَةِ وَالْجَهَالَةِ، وَالْمُرَادُ بِالَّذِي هُوَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ، أي: ومعه [4] من يشهد له بِصِدْقِهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الشَّاهِدِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَلْقَمَةُ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ