قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي، نَزَلَتْ فِي جَدِّ بْنِ قَيْسٍ الْمُنَافِقِ.
«1076» وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم لما تجهز لغزو تبوك قال [له] [1] : «يَا أَبَا وَهْبٍ هَلْ لَكَ فِي جِلَادِ بَنِي الْأَصْفَرِ» ؟ - يَعْنِي الرُّومَ- «تَتَّخِذُ مِنْهُمْ سِرَارِيَ وَوُصَفَاءَ» ، فَقَالَ جَدٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ عَرَفَ قَوْمِي أَنِّي رَجُلٌ مُغْرَمٌ بِالنِّسَاءِ، وَإِنِّي أَخْشَى إِنْ رَأَيْتُ بَنَاتَ بَنِي الْأَصْفَرِ أَنْ لَا أَصْبِرَ عَنْهُنَّ، ائْذَنْ لِي فِي الْقُعُودِ وَلَا تَفْتِنِي بِهِنَّ وَأُعِينُكَ بِمَالِي- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اعْتَلَّ جَدُّ بْنُ قَيْسٍ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ عِلَّةٌ إِلَّا النِّفَاقُ- فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
«أَذِنْتُ لَكَ» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمِنْهُمْ يَعْنِي مِنَ الْمُنَافِقِينَ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي فِي التَّخَلُّفِ وَلا تَفْتِنِّي ببنات [بني] [2] الْأَصْفَرِ. قَالَ قَتَادَةُ: وَلَا تُؤْثِمْنِي. أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا، أَيْ: فِي الشِّرْكِ وَالْإِثْمِ وَقَعُوا بِنِفَاقِهِمْ وخلافهم أمر الله ورسوله، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ، منطبقة بِهِمْ [3] وَجَامِعَةٌ لَهُمْ فِيهَا.
إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ، نُصْرَةٌ وَغَنِيمَةٌ، تَسُؤْهُمْ، تُحْزِنْهُمْ، يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ، وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ، قَتْلٌ وَهَزِيمَةٌ، يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا، حَذَرَنَا، أَيْ: أَخَذْنَا فِي الْقُعُودِ عَنِ الْغَزْوِ، مِنْ قَبْلُ، أَيْ: مِنْ قَبْلِ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ، وَيَتَوَلَّوْا، وَيُدْبِرُوا، وَهُمْ فَرِحُونَ، مَسْرُورُونَ بِمَا نَالَكَ مِنَ الْمُصِيبَةِ.
قُلْ لِهَمْ يَا مُحَمَّدُ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنا، أَيْ: عَلَيْنَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، هُوَ مَوْلانا، نَاصِرُنَا وَحَافِظُنَا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ أَوْلَى بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا فِي الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا، تَنْتَظِرُونَ بِنَا أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ، إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، إِمَّا النَّصْرَ وَالْغَنِيمَةَ أَوِ الشَّهَادَةَ وَالْمَغْفِرَةَ.
«1077» وَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ مَنْ بَيْتِهِ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ. أَوْ يُرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نال من أجر أو