رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَيْنَ الذَّهَبُ الَّذِي دَفَعْتَهُ أُمِّ الْفَضْلِ وَقْتَ خُرُوجِكَ مِنْ مكة فقلت لَهَا: إِنِّي لَا أَدْرِي مَا يُصِيبُنِي فِي وَجْهِي هَذَا، فَإِنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ فَهُوَ لَكِ وَلِعَبْدِ اللَّهِ [وَلِعُبَيْدِ اللَّهِ] [1] وَلِلْفَضْلِ وَقَثْمٍ» ، يَعْنِي بَنِيهِ [2] ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ قَالَ: «أَخْبَرَنِي بِهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ» ، قَالَ الْعَبَّاسُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ صَادِقٌ! وَأَنْ [3] لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى، الذين أخذتم [4] مِنْهُمُ الْفِدَاءَ إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً، أَيْ:

إِيمَانًا، يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ، مِنَ الْفِدَاءِ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ، ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، قَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَأَبْدَلَنِي اللَّهُ عَنْهَا عِشْرِينَ عَبْدًا كُلُّهُمْ تَاجِرٌ يَضْرِبُ بِمَالٍ كَثِيرٍ، وَأَدْنَاهُمْ يَضْرِبُ بعشرين ألف درهم مكان العشرين أُوقِيَّةً، وَأَعْطَانِي زَمْزَمَ، وَمَا أُحِبُّ أن لي به جميع أموال مكة، [و] [5] أنا أَنْتَظِرُ الْمَغْفِرَةَ مِنْ رَبِّي عَزَّ وجلّ.

قوله: وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ، يَعْنِي الْأَسَارَى، فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ، بِبَدْرٍ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَرَادَ بِالْخِيَانَةِ الْكُفْرَ، أَيْ: إِنْ كَفَرُوا بِكَ فَقَدْ كَفَرُوا بِاللَّهِ مِنْ قَبْلُ، فَأَمْكَنُ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنِينَ بِبَدْرٍ حَتَّى قَتَلُوهُمْ وَأَسَرُوهُمْ، وَهَذَا تَهْدِيدٌ لَهُمْ إِنْ عَادُوا إِلَى قِتَالِ المؤمنين ومعاداتهم.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 72 الى 74]

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا، أَيْ: هَجَرُوا قَوْمَهُمْ وديارهم، يعني المهاجرين من مكة، وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُهَاجِرِينَ مَعَهُ، أَيْ: أَسْكَنُوهُمْ مَنَازِلَهُمْ، وَنَصَرُوا، أَيْ: وَنَصَرُوهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ وَهُمُ الْأَنْصَارُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ، دُونَ أَقْرِبَائِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ. قِيلَ: فِي الْعَوْنِ وَالنُّصْرَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي الْمِيرَاثِ وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِالْهِجْرَةِ، فَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَتَوَارَثُونَ دُونَ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَكَانَ مَنْ آمَنَ وَلَمْ يُهَاجِرْ لَا يَرِثُ مِنْ قَرِيبِهِ الْمُهَاجِرِ حَتَّى كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ انقطعت الْهِجْرَةُ وَتَوَارَثُوا بِالْأَرْحَامِ حَيْثُ مَا كَانُوا، وَصَارَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ [الأنفال: 75] ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ، يعني: في الْمِيرَاثَ، حَتَّى يُهاجِرُوا، قَرَأَ حَمْزَةُ: وَلايَتِهِمْ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ، وَهُمَا وَاحِدٌ كَالدِّلَالَةِ وَالدَّلَالَةِ. وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ، أَيِ: اسْتَنْصَرَكُمُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا، فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ، عَهْدٌ فَلَا تَنْصُرُوهُمْ عَلَيْهِمْ، وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015