إنزال القرآن لأنكم مسرفون؟! وعن كثير من السلف معناه ألا نذكركم قط ونخليكم ونعرض عنكم ولا نعذبكم ولا نجازيكم لأنكم تركتم أمرنا وأسرفتم؟ كما تقول أحبك أن كنت شتمتني، ومن قرأ " إن كنتم " بالكسر، فمن باب جعل المحقق منزلة المشكوك، ابتناءًا على أن المخاطب كأنه متردد شاك في ثبوت الشرط، قصدًا إلى نسبته إلى الجهل (وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ) أي: من القوم المسرفين، وهم قومك (بَطْشًا): قوة، وقيل معناه: فأهلكنا أشد المستهزئين من الأولين بطشًا (ومَضَى) سلف في القرآن (مَثَلُ الْأَوَّلِينَ): قصتهم وحالهم العجيبة، وعن بعضهم معناه مضى عبرتهم، أى: جعلناهم عبرة لمن بعدهم فيه تسلية ووعد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووعيد للمكذبين (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) أنكروا قدرته بالبعث وعبدوا غيره، بعد ما أقروا بكمال قدرته وعزته وعلمه (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا) تستقرون فيها، وهذا قول الله - تعالى - من غير حكاية وصفًا منه لذاته في سياق واحد (وَجَعَلَ): خلق (لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ): إلى مقاصدكم من بلد إلى بلد، أو إلى كمال حكمته فتؤمنون (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ): بمقدار معلوم (فَأَنْشَرْنَا): أحيينا، فيه التفات (بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا) البلدة بمعنى: المكان، فذكر صفته (كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) من قبوركم