إحياء علوم الدين:
روى عبد اللَّه بن محمد البلوي: كنت أنا وعمر بن نباته جلوساً نتذاكر
العُبَّاد والزهاد، فقال لي عمر: ما رأيت أورع ولا أفصح من محمد بن إدريس الشَّافِعِي - رحمه الله -، فرحت أنا وهو والحارث بن لبيد إلى الصفا، وكان الحارث تلميذاً لصالح المري، فافتتح يقرأ، وكان حسن الصوت، فقرأ هذه الآية عليه:
(هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) .. الآيتان.
فرأيت الشَّافِعِي - رحمه الله - وقد تغير لونه واقشعر جلده، واضطرب اضطراباً شديداً وخرَّ مغشياً عليه، فلما أفاق جعل يقول: أعوذ بك من مقام الكاذبين، وإعراض الغافلين، اللهم خضعت للك قلوب العارفين، وذلَّت لك رقاب المشتاقين، إلهي هب لي جودك.
وجللني بسترك، واعف عن تقصيري بكرم وجهك.
قال: ثم مشى وانصرفنا.