[سورة الفلق (113) : الآيات 1 إلى 5]

في بلوغه في البلاغة حد الإعجاز بل في مجرد كونه من القرآن وكذلك لا يضر فيما نحن بصدده انتهى.

وعكس هذا القول في السورتين المذكورتين قيل في سورتي الخلع والحفد وفي ألفاظهما روايات منها ما يقنت به الحنفية، فقد روي أنهما في مصحف أبيّ بن كعب وفي مصحف ابن عباس وفي مصحف ابن مسعود فهما إن صح أنهما كلام الله تعالى منسوخا التلاوة وليسا من القرآن كما لا يخفى.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. قُلْ أَعُوذُ أي ألتجئ وأعتصم وأتحرز بِرَبِّ الْفَلَقِ فعل بمعنى مفعول صفة مشبهة كقصص بمعنى مقصوص من فلق شق وفرّق وهو يعم جميع الموجودات الممكنة فإنه تعالى فلق بنور الإيجاد عنها سيما ما يخرج من أصل كالعيون من الجبال والأمطار من السحاب والنبات من الأرض والأولاد من الأرحام، وخص عرفا بالصبح وإطلاقهم المفلوق عليه مع قولهم فلق الله تعالى الليل عن الصبح على نحو إطلاق المسلوخ على الشاة مع قولهم: سلخت الجلد من الشاة وتفسيره بالمعنى العام أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس. ولفظه الْفَلَقِ الخلق وأخرج الطستي عنه أنه فسره بالصبح.

وأنشد رضي الله تعالى عنه قول زهير:

الفارج الهم مسد ولا عساكره ... كما يفرج غم الظلمة الفلق

وهو مروي عن جابر بن عبد الله ومجاهد وقتادة وابن جبير والقرطبي وابن زيد، وعليه فتعليق العياذ باسم الرب المضاف إلى الفلق المنبئ عن النور عقيب الظلمة والسعة بعد الضيق والفتق بعد الرتق عدة كريمة بإعاذة العائذ مما يعوذ منه وإنجائه منه وتقوية لرجائه بتذكير بعض نظائره ومزيد ترغيب له في الجلد والاعتناء بقرع باب الالتجاء إليه عز وجل، وقيل: إن في تخصيص الْفَلَقِ بالذكر لأنه أنموذج من يوم القيامة فالدور كالقبور والنوم أخو الموت، والخارجون من منازلهم صباحا منهم من يذهب لنضرة وسرور، ومنهم من يكون من مطالبة ديون في غموم وشرور إلى أحوال أخر تكون للعباد هي أشبه شيء بما يكون لهم في المعاد، وفي تفسير القاضي: إن لفظ الرب هاهنا أوقع من سائر الأسماء أي التي يجوز إضافتها إلى الفلق على ما قيل لأن الإعاذة من المضار تربية وهو على تعميم الفلق ظاهر لشموله للمستعيذ والمستعاذ منه، وعلى تخصيصه بالصبح قيل لأنه مشعر بأنه سبحانه قادر مغيّر للأحوال مقلق للأطوار فيزيل الهموم والأكدار. وقال الرئيس ابن سينا بعد أن حمل الفلق على ظلمة العدم المفلوقة بنور الوجود: إن في ذكر الرب سرا لطيفا من حقائق العلم وذلك أن المربوب لا يستغني في شيء من حالاته عن الرب كما يشاهد في الطفل ما دام مربوبا، ولما كانت الماهيات الممكنة غير مستغنية عن إفاضة المبدأ الأول لا جرم ذكر لفظ الرب للإشارة إلى ذلك وفيه إشارة أخرى من خفيات العلوم وهو أن العوذ والعياذ في اللغة عبارة عن الالتجاء إلى الغير، فلما أمر بمجرد الالتجاء إلى الغير وعبّر عنه بالرب دل ذلك على أن عدم الحصول ليس لأمر يرجع إلى المستعاذ به المفيض للخيرات، بل لأمر يرجع إلى قابلها فإن من المقرر أنه ليس شيء من الكمالات وغيرها مبخولا به من جانب المبدأ الأول سبحانه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015