وقولهم إن الأقانيم مع كونها ثلاث جواهر متمايزة تمايزا حقيقيا جوهر واحد لبداهة بطلانه لا يسمن ولا يغني.
وما يذكرونه من المثال لإيضاح ذلك فهو عن الإيضاح بمعزل وبعيد عن المقصود بألف ألف منزل وكنا ذكرنا في ضمن هذا الكتاب ما يتعلق ببعض عقائدهم مع رده إلّا أنه كان قبل النظر في كتبهم وقد اعتمدنا فيه ما ذكره المتكلمون عنهم واليوم لنا عزم على تأليف رسالة تتضمن تحرير اعتقاداتهم في الواجب تعالى وذكر شبههم العقلية والنقلية التي يستندون إليها ويعولون في التثليث عليها حسبما وقفنا عليه في كتبهم، مع ردها على أكمل وجه إن شاء الله تعالى ونسأل الله تعالى التوفيق لذلك وأن يسلك سبحانه بنا في جميع أمورنا أقوم المسالك فهو سبحانه الجواد الأجود الذي لم يجبه من توجه إليه بالرد.
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ أي لم يكافئه أحد ولم يماثله ولم يشاكله من صاحبة وغيرها. وقيل هو نفي للكفاءة المعتبرة بين الأزواج وهو كما ترى. ولَهُ صلة كُفُواً على ما ذهب إليه المبرد وغيره والأصل أن يؤخر إلّا أنه قدم للاهتمام لأن المقصود نفي المكافأة عن ذاته عز وجل، وللاهتمام أيضا قدم الخبر مع ما فيه من رعاية الفواصل. قيل له إن الظرف هنا (?) وإن لم يكن خيرا مبطل سقوطه معنى الكلام لأنك لو قلت لم يكن كفوا أحد لم يكن له معنى، فلما احتيج إليه صار بمنزلة الخبر فحسن ذلك. وقال أبو حيان:
كلام سيبويه في الظرف الذي يصلح أن يكون خبرا وهو الظرف التام وما هنا ليس كذلك. وقال ابن الحاجب قدم الظرف للفواصل ورعايتها ولم يقدم على أحد لئلا يفصل بين المبتدأ وخبره وفيه نظر ظاهر، وجوز أن يكون الظرف حالا من أَحَدٌ قدم عليه رعاية للفاصلة ولئلا يلتبس بالصفة أو الصلة وأن يكون خبرا ليكن، ويكون كُفُواً حالا من أَحَدٌ قدم عليه لكونه نكرة أو حالا من الضمير في الظرف الواقع خبرا، وهذا الوجه نقله أبو علي في الحجة عن بعض النحاة ورد بأنه كما سمعت آنفا عن أبي حيان ظرف ناقص لا يصح أن يكون خبرا، فإن قدر له متعلق خاص وهو مماثل ونحوه مما تتم به الفائدة يكون كُفُواً زائدا ولعل وقوع الجمل الثلاث متعاطفة دون ما عداها من هذه السورة لأنها سيقت لمعنى وغرض واحد وهو نفي المماثلة والمناسبة عنه تعالى بوجه من الوجوه وما تضمنته أقسامها لأن المماثل إما ولد أو والد أو نظير غيرهما فلتغاير الأقسام واجتماعها في المقسم لزم العطف فيها بالواو كما هو مقتضى قواعد المعاني. وفي كُفُواً لغات ضم الكاف وكسرها وفتحها مع سكون الفاء وضم الكاف مع ضم الفاء. وقرأ حمزة ويعقوب ونافع في رواية «كفؤا» بالهمز والتخفيف وحفص بالحركة وإبدال الهمزة واوا وباقي السبعة بالحركة مهموزا، وسهل الهمزة الأعرج وأبو جعفر وشيبة ونافع في رواية، وفي أخرى عنه «كفى» من غير همز نقل حركة الهمزة إلى الفاء وحذف الهمزة. وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس «كفاء» بكسر الكاف وفتح الفاء والمد كما في قول النابغة:
لا تقذفني بر كن لا كفاء له أي لا مثل له كما قال الأعلم، وهذه السورة الجليلة قد انطوت مع تقارب قطرها على أشتات المعارف