واقع في الليل. وفي ذكر إثارة الغبار إشارة بلا غبار إلى شدة العدو وكثرة الكر والفر وكثيرا ما يشيرون به إلى ذلك ومنه قول ابن رواحة:

عدمت بنيتي إن لم تروها ... تثير النقع من كنفي كداء

وقال أبو عبيدة: النقع رفع الصوت ومنه قول لبيد:

فمتى ينقع صراخ صادق ... يحلبوه ذات جرس وزجل

وقول عمر رضي الله تعالى عنه وقد قيل له يوم توفي خالد بن الوليد إن النساء قد اجتمعن يبكين على خالد: ما على نساء بني المغيرة أن يسفكن على أبي سليمان دموعهن وهن جلوس ما لم يكن نقع ولا لقلقة.

والمعنى عليه فهيجن في ذلك الوقت صياح وهو صياح من هجم عليه وأوقع به. والمشهور المعنى الأول وجوز كون ضمير به للعدو الدال عليه العاديات أو للإغارة الدال عليها المغيرات والتذكير لتأويلها بالجري ونحوه والباء للسببية أو للملابسة وجوز كونها ظرفية أيضا والضمير للمكان الدال عليه السياق والأول أظهر وألطف.

ومثله ضمير بِهِ في قوله عز وجل فَوَسَطْنَ بِهِ أي فتوسطن في ذلك الوقت جَمْعاً من جموع الأعداء وجوز فيه وفي بائه نحو ما تقدم في به قبله وجوز أيضا كون الضمير للنقع والباء للملابسة أي فتوسطن ملتبسات بالنقع جمعا أو هي على ما قيل للتعدية إن أريد أنها وسطت الغبار والفاءات كما في الإرشاد للدلالة على ترتيب ما بعد كل منها على ما قبله فتوسط الجمع مترتب على الإثارة المترتبة على الإيراء المترتب على العدو. وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة «فأثّرن» و «فوسّطن» بتشديد الثاء والسين. وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه وزيد بن علي وقتادة وابن أبي ليلى الأول كالجمهور والثاني كذين. والمعنى على تشديد الأول فأظهرن به غبارا لأن التأثير فيه معنى الإظهار وعلى تشديد الثاني على نحو ما تقدم. فقد نقلوا أن وسط مخففا ومثقلا بمعنى واحد وأنهما لغتان. وقال ابن جني المعنى ميزن به جمعا أي جعلنه شطرين أي قسمين وشقين. وقال الزمخشري: التشديد فيه للتعدية والباء مزيدة للتأكيد كما في قوله تعالى «وأتوا به» في قراءة وهي مبالغة في وسّطن وجوز أن يكون قلب ثورن إلى وثرن ثم قلبت الواو همزة فالمعنى على ما مرّ وهو تمحل مستغنى عنه.

وعن السدي ومحمد بن كعب وعبيد بن عمير أنهم قالوا

العاديات هي الإبل تعدو ضبحا من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منى. ونسب إلى عليّ كرم الله تعالى وجهه

فقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: بينما أنا في الحجر جالس إذ أتاني رجل فسألني عن الْعادِياتِ ضَبْحاً فقلت: الخيل حين تغير في سبيل الله تعالى ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم، فانفتل عني فذهب إلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وهو جالس تحت سقاية زمزم، فسأله عن العاديات ضبحا فقال سألت عنها أحدا قبلي؟ قال: نعم سألت عنها ابن عباس.

فقال: هي الخيل حين تغير في سبيل الله تعالى فقال: اذهب فادعه لي فلما وقفت على رأسه قال: تفتي الناس بما لا علم لك به، والله إن كانت لأول غزوة في الإسلام لبدر وما كان معنا إلّا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود فكيف تكون العاديات ضبحا؟ إنما العاديات ضبحا الإبل تعدو من عرفة إلى المزدلفة فإذا أووا إلى المزدلفة أوروا النيران فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً من المزدلفة إلى منى فذلك جمع. وأما قوله تعالى فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً فهو نقع الأرض حين تطؤها بخفافها. قال ابن عباس: فنزعت عن قولي إلى قول عليّ كرم الله تعالى وجهه ورضي الله تعالى عنه.

واستشكل رده كرم الله تعالى وجهه كون المراد بها الخيل بما كان من أمر غزوة بدر بأن ابن عباس لم يدع أن أل في العاديات للعهد وأنها إشارة إلى عاديات بدر، ولا أن السورة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015