الخفاجي عليه الرحمة ثم قال: وما في التبصرة وشرح المشارق وتفسير الثعلبي من أن أعمال الكفرة الحسنة التي لا يشترط فيها الإيمان كإنجاء الغريق وإطفاء الحريق وإطعام ابن السبيل يجزون عليها في الدنيا ولا تدخر لهم في الآخرة كالمؤمنين بالإجماع للتصريح به في الأحاديث، فإن عمل أحدهم في كفره حسنات ثم أسلم اختلف فيه هل يثاب عليها في الآخرة أم لا بناء على أن اشتراط الإيمان في الاعتداد بالأعمال وعدم إحباطها هل هو بمعنى وجود الإيمان عند العمل أو وجوده ولو بعد

لقوله صلّى الله عليه وسلم في الحديث: «أسلمت على ما سلف لك من خير»

غير مسلم ودعوى الإجماع فيه غير صحيحة لأن كون وقوع جزائهم في الدنيا دون الآخرة كالمؤمنين مذهب لبعضهم، وذهب آخرون إلى الجزاء بالتخفيف وقال الكرماني: إن التخفيف واقع لكنه ليس بسبب عملهم بل لأمر آخر كشفاعة النبي صلّى الله عليه وسلم ورجائه ومنه ما يكون لأبي لهب كما قال الزركشي انتهى.

ولقائل أن يقول إن الشفاعة من آثار عمل المشفوع الخير أيضا فتأمل.

وسبب نزول الآية على ما أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه لما نزل وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ [الإنسان: 8] كان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل إذا أعطوه فيجيء المسكين إلى أبوابهم فيستقلون أن يعطوه التمرة والبسرة فيردونه ويقولون: ما هذا بشيء إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه، وكان آخرون يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير الكذبة والنظرة والغيبة وأشباه ذلك ويقولون إنما وعد الله تعالى النار على الكبائر فنزلت الآية ترغبهم في القليل من الخير أن يعملوه، وتحذرهم اليسير من الشر أن يعملوه. وفيها من دلالة الخطاب ما لا يخفى وقد كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم بعدها يتصدقون بما قل وكثر. فقد روي أن عائشة رضي الله تعالى عنها بعث إليها ابن الزبير بمائة ألف وثمانين ألف درهم في غرارتين فدعت بطبق وجعلت تقسمها بين الناس فلما أمست قالت جاريتها: هلمي وكانت صائمة، فجاءت بخبز وزيت فقالت: ما أمسكت لنا درهما نشتري به لحما نفطر عليه. فقالت: لو ذكرتيني لفعلت. وجاء في عدة روايات أنها أعطت سائلا يوما حبة من عنب، فقيل لها في ذلك. فقالت: هذه أثقل من ذر كثير ثم قرأت الآية. وروي نحو هذا عن عمر وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن مالك رضي الله تعالى عنهم وكان غرضهم تعليم الناس أنه لا بأس بالتصدق بالقليل ولهم بذلك أسوة برسول الله صلّى الله عليه وسلم.

فقد أخرج الزجاجي في أماليه عن أنس بن مالك أن سائلا أتى النبي صلّى الله عليه وسلم فأعطاه تمرة، فقال السائل: نبي من الأنبياء تصدق بتمرة. فقال عليه الصلاة والسلام:

«أما علمت فيها مثاقيل ذر كثيرة»

وجاء أنه عليه الصلاة والسلام قال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة» ثم قرأ الآية.

وتقديم عمل الخير لأنه أشرف القسمين والمقصود بالأصالة لا يخفى حسن موقعه ويعلم منه أن هذا الإحصاء لا ينافي كرمه عز وجل المطلق وما يحكى من أن أعرابيا أخر خيرا يره فقيل له قدمت وأخرت فقال:

خذا بطن هرشى أو قفاها فإنه ... كلا جانبي هرشى لهن طريق

فغفل عن اللطائف القرآنية أو لعله أراد أنه فيما يتعلق بالعمل لا بأس به قدم أو أخر لا أن القراءة به جائزة. وقرأ الحسين بن علي على جده وعليهما الصلاة والسلام وابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعبد الله بن مسلم وزيد بن علي وأبو حيوة والكلبي وخليد بن نشيط وأبان عن عاصم والكسائي في رواية حميد بن الربيع عنه «يره» بضم الياء في الموضعين. وقرأ هشام وأبو بكر «يره» بسكون الهاء فيها وأبو عمرو بضمها مشبعة وباقي السبعة بالإشباع في الأول والسكون في الثاني والإسكان في الوصل لغة حكاها الأخفش ولم يحكها سيبويه وحكاها الكسائي أيضا عن بني كلاب وبني عقيل. وقرأ عكرمة «يراه» بالألف فيهما وذلك على لغة من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015