وكان في جاراته لا عهد له ... فأي أمر سيىء لا فعله
وأجيب بأن اللازم تكرارها لفظا أو معنىّ، وهي هنا مكررة معنى لأن تفسير العقبة بما فسرت به من الأمور المتعددة يلزم منه تفسير الاقتحام فيكون: فلا اقتحم العقبة في معنى فلا فك رقبة ولا أطعم يتيما إلخ.
وقد يقال في البيت نحو ذلك بأن يقال إن العموم فيه قائم مقام التكرار ويلزمه على ما قيل جواز لا جاءني زيد وعمرو لأنه في معنى لا جاءني زيد ولا جاءني عمرو ومنعه الزجاج والفرّاء: يجوز أن يكون منه قوله تعالى ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا فإنه عطف على المنفي أعني اقْتَحَمَ فكأنه قيل فلا اقتحم ولا آمن، ولا يلزم منه كون الإيمان غير داخل في مفهوم العقبة لأنه يكفي في صحة العطف والتكرار كونه جزءا أشرف خص بالذكر عطفا فجاءت صورة التكرار ضرورة إذ الحمل على غير ذلك مفسد للمعنى، ويلزمه جواز لا أكل زيد وشرب على العطف على المنفي والبعض المتقدم يمنعه. وقيل: إن لا للدعاء والكلام دعاء على ذلك الكافر أن لا يرزقه الله تعالى ذلك الخير. وقيل لا مخفف إلا للتخضيض كهلا، فكأنه قيل: فهلا اقتحم أو الاستفهام محذوف والتقدير أفلا اقتحم ونقل ذلك عن ابن زيد والجبائي وأبي مسلم. وفيه أنه لم يعرف تخفيف ألا التحضيضية وأنه كما قال المرتضى يقبح حذف حرف الاستفهام في مثل هذا الموضع، وقد عيب على عمر بن أبي ربيعة قوله:
ثم قالوا تحبها قلت بهرا ... عدد الرمل والحصى والتراب
وقولهم: لو أريد النفي لم يتصل الكلام بشيء لظهور كان تحت النفي واتصال الكلام عليه، قيل الكلام إخبار عن المستقبل فليس مما يلزم فيه التكرير أي فلا يقتحم العقبة لأن ماضيه معلوم بالمشاهدة فالأهم الإخبار عن حاله في الاستقبال لكي لتحقق الوقوع عبر بالماضي. ونقل الطيبي عن أبي علي الفارسي عدم وجوب تكريرها رادا على الزجاج في زعمه ذلك. وقال: هي كلم والتكرر في نحو فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى لا يدل على الوجوب كما في لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا [الفرقان: 67] وعلى عدم التكرار جاء قول أمية السابق:
إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما
والمتيقن عندي أكثرية التكرر وأما وجوبه فليس بمتيقن والله تعالى أعلم. وقرأ ابن كثير والنحويان «فكّ» فعلا ماضيا «رقبة» بالنصب «أو أطعم» فعلا ماضيا أيضا وعلى هذه القراءة ففك مبدلة من اقتحم وما بينهما اعتراض. ومعناه أنك لم تدركنه صعوبتها على النفس وكنه ثوابها عند الله عز وجل وقرأ أبو رجاء كذلك إلّا أنه قرأ «ذا مسبغة» بالألف على أن «ذا» منصوب على المفعولية بأطعم أي أطعم في يوم من الأيام إنسانا ذا مسغبة، ويكون يتيما بدلا منه أو صفة له. وقرأ هو أيضا والحسن «أو إطعام في يوم ذا» بالألف أيضا على أنه مفعول ب للمصدر. وقرأ بعض التابعين «فكّ رقبة» بالإضافة «أو أطعم» فعلا ماضيا وهو معطوف على المصدر لتأويله به.
والتراخي المفهوم من ثُمَّ في قوله تعالى ثُمَّ كانَ إلخ رتبي فالإيمان فوق جميع ما قبله لأنه يستقل بكونه سببا للنجاة وشكرا بدون الأعمال كما فيمن آمن بشرطه ومات في يومه قبل أن يجب عليه شيء من الأعمال فإن ذلك ينفعه ويخلصه بخلاف ما عداه فإنه لا يعتد به بدونه. وقوله سبحانه وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ عطف على آمنوا أي أوصى بعضهم بعضا بالصبر على الإيمان والثبات عليه أو بذلك والصبر على الطاعات أو به، والصبر على المعاصي وعلى المحن التي يبتلى بها الإنسان وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أي بالرحمة على عباده عز وجل ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو تواصوا بأسباب رحمة الله تعالى وما يؤدي إليها من