ليس له عليه الصلاة والسلام ان يذكرها بوجه من الوجوه فأزيح ذلك ببيان أن المنفي عنه صلّى الله عليه وسلم ذكراها لهم بتعيين وقتها حسبما كانوا يسألونه عنها، فالمعنى إنما أنت منذر من يخشاها ويخاف أهوالها وظيفتك الامتثال بما أمرت به من بيان اقترابها وتفصيل ما فيها من فنون الأهوال كما تحيط به لا معلم بتعيين وقتها الذي لم يفوض إليك فما لهم يسألونك عما لم تبعث له ولم يفوض إليك أمره، وعلى الوجه الثاني هو تقرير لقوله تعالى أَنْتَ مِنْ ذِكْراها ببيان أن إرساله عليه الصلاة والسلام وهو خاتم الأنبياء عليهم السلام منذر بمجيء الساعة كما ينطق به
قوله صلّى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين إن كادت لتسبقني»
والظاهر على الأول أن القصر من قصر الموصوف على الصفة والمعنى ما أنت إلّا منذر لا معلم بالوقت مبين له. وإنما ذكر صلة المنذر إظهارا لكونها ذات مدخل في القصر لكون الكلام في القصر على منذر خاص ونفي إعلام خاص يقابله وكونه من قصر الصفة على الموصوف بناء على ما يتبادر إلى الفهم من كلام السكاكي أن المعنى إنما أنت منذر الخاشي دون من لا يخشى، أي ما أنت منذر إلّا من يخشى دون غيره مناسب للمقام على أنه قيل عليه إن من يخشى مَنْ صلة مُنْذِرُ ليس من متعلق إنما في شيء ليجعل الجزء الأخير المقصور عليه الإنذار وهذا إن صح استلزم عدم صحة ما قرر لكن في صحته مقال إذ يستلزم أيضا أن لا يصح إنما هو غلام زيد لا عمرو وإنما هو ضارب عمرا لا زيدا مع شهرة استعمال ذلك من غير نكير فتأمل. والظاهر على الثاني أن إِنَّما لمجرد التأكيد زيادة في الاعتناء بشأن الخبر وليست للحصر إذ لا يتعلق به غرض عليه بحسب حَفِيٌّ عَنْها يرده إذ المراد أنك لا تحتفي بالسؤال عنها ولا تهتم بذلك وهم يسألونك كما يسأل الحفي عن الشيء أي الكثير السؤال عنه، وأجيب بأنه يحتمل أنه لم يكن منه صلّى الله عليه وسلم أو لا احتفاه ثم كان وإن سؤالهم هذا ونزول الآية بعد وقوع الاحتفاء وأنت تعلم ما في ذلك من البعد. وقرأ أبو جعفر وشيبة وخالد الحذّاء وابن هرمز وعيسى وطلحة وابن محيصن وابن مقسم وأبو عمرو في رواية «منذر» بالتنوين والإعمال وهو الأصل في مثله بعد اعتبار المشابه والإضافة للتخفيف فلا ينافي أن الأصل في الأسماء عدم الإعمال والإعمال عارض للشبه والوصف عند إعماله وإضافته للتخفيف صالح للحال والاستقبال، وإذا أريد الماضي فليس إلّا الإضافة كقولك: هو منذر زيد أمس وهو هنا على ما قيل للحال لمقارنة «يخشى» ولا ينافي أنه صلّى الله عليه وسلم منذر في الماضي والمستقبل حتى يقال المناسب لحال الرسالة الاستمرار ومثله ويجوز فيه الإعمال وعدمه ثم المراد بالحال حال الحكم لا حال التكلم وفي ذلك كلام في كتب الأصول فلا تغفل والله تعالى أعلم.