باطل لم لا يجوز أن يكون كفوات معنى المضي والاستقبال وفوات معنى الدعاء في نحو أَنَّ غَضَبَ [النور: 9] وقد أجمعوا أن ذلك ليس بباطل لأنه فوات عند الذكر بالفعل وليس بلازم، وليس بفوات مطلقا لظهور أن المنطوق الصريح متكفل به فتدبر. وقرأ ابن مسعود «أنذر» بغير أَنْ على إرادة القول أي قائلين أنذر مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ عاجل وهو ما حل بهم من الطوفان كما قال الكلبي أو آجل وهو عذاب النار كما قال ابن عباس. والمراد أنذرهم من قبل ذلك لئلا يبقى لهم عذر ما أصلا قالَ استئناف بياني كأنه قيل فما فعل عليه الصلاة والسلام بعد هذا الإرسال فقيل قال لهم يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ منذر موضح لحقيقة الأمر واللام في لَكُمْ للتقوية أو للتعليل أي لأجل نفعكم من غير أن أسألكم أجرا وقوله تعالى أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ متعلق بنذير على مصديرية أَنِ وتفسيريتها ومر نظيره في الشعراء وقوله سبحانه يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ مجزوم في جواب الأمر واختلف في مِنْ فقيل ابتدائية وإن لم تصلح هنا لمقارنة إلى وابتداء الفعل من جانبه تعالى على معنى أنه سبحانه يبتدئهم بعد إيمانهم بمغفرة ذنوبهم إحسانا منه عز وجل وتفضلا، وجوز أن يكون من جانبهم على معنى أول ما يحصل لهم بسبب إيمانهم مغفرة ذنوبهم وليس بذاك وقيل بيانية ورجوعها إلى معنى الابتدائية استبعده الرضي ويقدر قبلها مبهم يفسر بمدخولها أي يغفر لكم أفعالكم التي هي الذنوب، وقيل: زائدة على رأي الأخفش المجوز لزيادتها مطلقا وجزم بذلك هنا وقيل تبعيضية أي يغفر لكم بعض ذنوبكم واختاره بعض. واختلف في البعض المغفور فذهب قوم إلى أنه حقوق الله تعالى فقط السابقة على الإيمان وآخرون إلى أنه ما اقترفوه قبل الإيمان مطلقا الظاهر ما ورد من أن الإيمان يجب ما قبله واستشكل ذلك العز بن عبد السلام في الفوائد المنتشرة وأجاب عنه فقال: كيف يصح هذا على رأي سيبويه الذي لا يرى كالأخفش زيادتها في الموجب بل يقول إنها للتبعيض مع أن الإسلام يجب ما قبله بحيث لا يبقى منه شيء والجواب أن إضافة الذنوب إليهم إنما تصدق حقيقة فيما وقع إذا ما لم يقع لا يكون ذنبا لهم وإضافة ما لم يقع على طريق التجوز كما في وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ [المائدة: 89] إذا المراد بها الأيمان المستقبلة وإذا كانت الإضافة تارة تكون حقيقة وتارة تكون مجازا، فسيبويه يجمع بين الحقيقة والمجاز فيها وهو جائز
يعني عند أصحابه الشافعية، ويكون المراد من بعض ذنوبكم البعض الذي وقع انتهى ولا يحتاج إلى حديث الجمع من خص الذنوب المغفورة بحقوق الله عز وجل وهاهنا بحث وهو أن الحمل على التبعيض يأباه يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر: 53] وقد نص البعلي في شرح الجمل على أن ذلك هو الذي دعا الأخفش للجزم بالزيادة هنا وجعله ابن الحاجب حجة له ورده بعض الأجلة بأن الموجبة الجزئية من لوازم الموجبة الكلية ولا تناقض بين اللازم والملزوم ومبناه الغفلة عن كون مدلول من التبعيضية هي البعضية المجردة عن الكلية المنافية لها لا الشاملة لما في ضمنها المجتمعة معها وإلّا لما تحقق الفرق بينها وبين من البيانية من جهة الحكم ولما تيسر تمشية الخلاف بين الإمام أبي حنيفة وصاحبيه فيما إذا قال:
طلقي نفسك من ثلاث ما شئت بناء على أن من للتبعيض عنده وللبيان عندهما قال في الهداية وإن قال لها طلقي نفسك من ثلاث ما شئت فلها أن تطلق نفسها واحدة وثنتين ولا تطلق ثلاثا عند أبي حنيفة وقالا تطلق ثلاثا إن شاءت لأن كلمة ما محكمة في التعميم وكلمة من قد تستعمل للتمييز فتحمل على تمييز الجنس ولأبي حنيفة أن كلمة من حقيقة في التبعيض وما للتعميم فيعمل بهما انتهى. ولا خفاء في أن بناء الجواب المذكور على كون من للتبعيض إنما يصح إذا كان مدلولها حينئذ البعضية المجردة المنافية للكلية ومن هنا تعجب من صاحب التوضيح في تقرير الخلاف المذكور حيث استدل على أولوية التبعيض بتيقنه ولم يدر أن