نهيت عن اللهو فالأصل لا تلهوا بأموالكم إلخ، فالتجوز في الإسناد، وقيل: إنه تجوز بالسبب عن المسبب كقوله تعالى: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ [الأعراف: 2] أي لا تكونوا بحيث تلهيكم أموالكم إلخ.
وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ أي اللهو بها وهو الشغل، وهذا أبلغ مما لو قيل: ومن تلهه تلك فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ حيث باعوا العظيم الباقي بالحقير الفاني، وفي التعريف بالإشارة والحصر للخسران فيهم، وفي تكرير الإسناد وتوسيط ضمير الفصل ما لا يخفى من المبالغة، وكأنه لما نهي المنافقون عن الانفاق على من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأريد الحث على الانفاق جعل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلخ تمهيدا وتوطئة للأمر بالإنفاق لكن على وجه العموم في قوله سبحانه: وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ أي بعض ما أعطيناكم وتفضلنا به عليكم من الأموال ادخارا للآخرة مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ أي أماراته ومقدماته، فالكلام على تقدير مضاف، ولذا فرع على ذلك قوله تعالى: فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي أي أمهلتني إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ أي أمد قصير فَأَصَّدَّقَ أي فأتصدق، وبذلك قرأ أبي وعبد الله وابن جبير، ونصب الفعل في جواب التمني والجزم في قوله سبحانه: وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ بالعطف على موضع فَأَصَّدَّقَ كأنه قيل: إن أخرتني أصدّق وأكن، وإلى هذا ذهب أبو علي الفارسي. والزجاج، وحكى سيبويه عن الخليل أنه على توهم الشرط الذي يدل عليه التمني لأن الشرط غير ظاهر ولا يقدر حتى يعتبر العطف على الموضع كما في قوله تعالى: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ [الأعراف: 186] ويذرهم فيمن قرأ بالجزم وهو حسن بيد أن التعبير بالتوهم هنا ينشأ منه توهم قبيح، والفرق بين العطف على الموضع والعطف على التوهم أن العامل في العطف على الموضع موجود وأثره مفقود، والعامل في العطف على التوهم مفقود وأثره موجود، واستظهر أن الخلاف لفظي فمراد أبي علي والزجاج العطف على الموضع المتوهم أي المقدر إذ لا موضع هنا في التحقيق لكنهما فرا من قبح التعبير.
وقرأ الحسن وابن جبير وأبو رجاء وابن أبي إسحاق ومالك بن دينار والأعمش وابن محيصن وعبد الله بن الحسن العنبري. وأبو عمرو «وأكون» بالنصب وهو ظاهر، وقرأ عبد بن عمير «وأكون» بالرفع على الاستئناف والنحويون وأهل المعاني قدروا المبتدأ في أمثال ذلك من أفعال المستأنفة، فيقال هنا: أي وأنا أكون ولا تراهم يهملون ذلك، ووجه بأن ذلك لأن الفعل لا يصلح للاستئناف مع الواو الاستئنافية كما هنا ولا بدونها، وتعقب بأنه لم يذهب إلى عدم صلاحيته لذلك أحد من النحاة وكأنه لهذا صرح العلامة التفتازاني بأن التزام التقدير مما لم يظهر له وجهه، وقيل: وجهه أن الاستئناف بالاسمية أظهر وهو كما ترى، وجوز كون الفعل على هذه القراءة مرفوعا بالعطف على- أصدّق- على نحو القولين السابقين في الجزم، هذا وعن الضحاك أنه قال في قوله تعالى: أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ يعني الزكاة والنفقة في الحج، وعليه قول ابن عباس فيما أخرج عنه ابن المنذر: فَأَصَّدَّقَ أزكي وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ أحج،
وأخرج الترمذي وابن جرير والطبراني وغيرهم عنه أيضا أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من كان له مال يبلغه حج بيت ربه أو تجب عليه فيه الزكاة فلم يفعل سأل الرجعة عند الموت»
فقال له رجل: يا ابن عباس اتق الله تعالى فإنما يسأل الرجعة الكفار فقال: سأتلو عليكم بذلك قرآنا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ إلى آخر السورة كذا في الدر المنثور.
وفي أحكام القرآن رواية الترمذي عنه ذلك موقوفا عليه، وحكي عنه في البحر وغيره أنه قال: إن الآية نزلت في مانع الزكاة، وو الله لو رأى خيرا لما سأل الرجعة، فقيل له: أما تتقي الله تعالى يسأل المؤمنون الكرة؟! فأجاب بنحو ما ذكر، ولا يخفى أن الاعتراض عليه وكذا الجواب أوفق بكونه نفسه ادّعى سؤال الرجعة ولم يرفع الحديث بذلك، وإذا