بغير الهمزة وبالهمزة لا يتعدى، قال في الكشاف: وحقيقته حان لهم أن ينفضوا مزاودهم، وقوله تعالى: وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ردّ وإبطال لما زعموا من أن عدم إنفاقهم على من عند رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم يؤدي إلى انفضاضهم عنه عليه الصلاة والسلام ببيان أن خزائن الأرزاق بيد الله تعالى خاصة يعطي منها من يشاء ويمنع من يشاء وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ ذلك لجهلهم بالله تعالى وبشؤونه عز وجل، ولذلك يقولون من مقالات الكفرة ما يقولون.
يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ قائله كما سمعت ابن أبي، وعنى بالأعز نفسه أو ومن يلوذ به، وبالأذل من أعزه الله عز وجل وهو الرسول صلّى الله تعالى عليه وسلم أو هو عليه الصلاة والسلام والمؤمنون، وإسناد المذكور إلى جميعهم لرضائهم به كما في سابقه.
وقرأ الحسن وابن أبي عبلة والسبتي في اختياره «لنخرجن» بالنون، ونصب «الأعزّ» و «الأذلّ» على أن «الأعزّ» مفعول به، و «الأذلّ» إما حال بناء على جواز تعريف الحال، أو زيادة أل فيه نحو أرسلها العراك، وأدخلوا الأول فالأول وهو المشهور في تخريج ذلك، أو حال بتقدير مثل وهو لا يتعرف بالإضافة أي مثل الأذل، أو مفعول به لحال محذوفة أي مشبها الأذل، أو مفعول المطلق على أن الأصل إخراج الأذل فحذف المصدر المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فانتصب انتصابه.
وحكى الكسائي والفراء أن قوما قرؤوا «ليخرجنّ» بالياء مفتوحة وضم الراء. ورفع «الأعزّ» على الفاعلية. ونصب «الأذلّ» على ما تقدم، بيد أنك تقدر على تقدير النصب على المصدرية خروج، وقرىء «ليخرجنّ» بالياء مبنيا للمفعول، ورفع «الأعزّ» على النيابة عن الفاعل، ونصب «الأذلّ» على ما مر.
وقرأ الحسن فيما ذكر أبو عمرو الداني «لنخرجنّ» بنون الجماعة مفتوحة وضم الراء، ونصب «الأعزّ» و «الأذلّ» ، وحكى هذه القراءة أبو حاتم، وخرجت على أن نصب «الأعزّ» على الاختصاص كما في قولهم: نحن العرب أقرى الناس للضيف، ونصب «الأذلّ» على أحد الأوجه المارة فيما حكاه الكسائي والفراء، والمقصود إظهار التضجر من المؤمنين وأنهم لا يمكنهم أن يساكنوهم في دار كذا قيل: وهو كما ترى، ولعل هذه القراءة غير ثابتة عن الحسن، وقوله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ رد لما زعموه ضمنا من عزتهم وذل من نسبوا إليه الذل، وحاشاه منه أي ولله تعالى الغلبة والقوة ولمن أعزه الله تعالى من رسوله صلّى الله عليه وسلم والمؤمنين لا للغير، ويعلم مما أشرنا إليه توجيه الحصر المستفاد من تقديم الخبر، وقيل: إن العطف معتبر قبل نسبة الإسناد فلا ينافي ذلك ولا يضر إعادة الجار لأنها ليست لإفادة الاستقلال في النسبة بل لإفادة تفاوت ثبوت العزة فإن ثبوتها لله تعالى ذاتي وللرسول صلّى الله تعالى عليه وسلم بواسطة الرسالة وللمؤمنين بواسطة الايمان، وجاء من عدة طرق أن عبد الله بن عبد الله بن أبيّ- وكان مخلصا- سل سيفه على أبيه عند ما أشرفوا على المدينة فقال: ولله علىّ أن لا أغمده حتى تقول: محمد الأعز وأنا الأذل فلم يبرح حتى قال ذلك، وفي رواية أنه رضي الله تعالى عنه وقف والناس يدخلون حتى جاء أبوه فقال: وراءك، قال: مالك ويلك؟ قال: والله لا تدخلها أبدا إلا أن يأذن رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم ولتعلمن اليوم الأعز من الأذل فرجع حتى لقي رسول الله صلّى الله عليه وسلم فشكا إليه ما صنع ابنه فأرسل إليه النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم أن خل عنه يدخل ففعل
وصح من رواية الشيخين والترمذي وغيرهم عن جابر بن عبد الله أنه لما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما قال ابن أبي قام عمر رضي الله تعالى عنه فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم: «دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه»
وفي رواية عن قتادة أنه قال له عليه الصلاة والسلام: يا نبي الله مر معاذا أن