فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ

انتهى وليس بشيء كما لا يخفى.

وقرأ ابن أبي عبلة- إليه- بضمير اللهو، وقرىء- إليهما- بضمير الاثنين كما في قوله تعالى: إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما [النساء: 135] وهو متأول لأنه بعد العطف بأو لكونها لأحد الشيئين لا يثنى الضمير وكذا الخبر، والحال والوصف فهي على هذه القراءة بمعنى الواو كما قيل به في الآية التي ذكرناها وَتَرَكُوكَ قائِماً أي على المنبر.

واستدل به على مشروعية القيام في الخطبة وهو عند الحنفية أحد سننها، وعند الشافعية هو شرط في الخطبتين إن قدر عليه، وأخرج ابن ماجة وغيره عن ابن مسعود أنه سئل أكان النبي صلّى الله عليه وسلم يخطب قائما أو قاعدا؟ فقال: أما تقرأ وَتَرَكُوكَ قائِماً؟ وكذا سئل ابن سيرين وأبو عبيدة وأجابا بذلك، وأول من خطب جالسا معاوية.

ولعل ذلك لعجزه عن القيام، وإلا فقد خالف ما كان عليه رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم،

فقد أخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يخطب خطبتين يجلس بينهما

، وذكر أبو حيان أن أول من استراح في الخطبة عثمان رضي الله تعالى عنه، وكأنه أراد بالاستراحة غير الجلوس بين الخطبتين إذ ذاك ما كان عليه صلّى الله تعالى عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ فإن ذلك نفع محقق مخلد بخلاف ما فيهما من النفع، فإن نفع اللهو ليس بمحقق بل هو متوهم، ونفع التجارة ليس بمخلد، وتقديم اللهو ليس من تقديم العدم على الملكة كما توهم بل لأنه أقوى مذمة، فناسب تقديمه في مقام الذم، وقال ابن عطية: قدمت التجارة على اللهو في الرؤية لأنها أهم، وأخرت مع التفضيل لتقع النفس أولا على الأبين، وهو قريب مما ذكرنا.

وقال الطيبي: قدم ما كان مؤخرا وكرر الجار لإرادة الإطلاق في كل واحد، واستقلاله فيما قصد منه ليخالف السابق في اتحاد المعنى لأن ذلك في قصة مخصوصة، واستدل الشيخ عبد الغني النابلسي عفا الله تعالى عنه على حل الملاهي بهذه الآية لمكان أفعل التفضيل المقتضي لإثبات أصل الخيرية للهو كالتجارة، وأنت تعلم أن ذلك مبني على الزعم والتوهم، وأعجب منه استدلاله على ذلك بعطف التجارة المباحة على اللهو في صدر الآية، والأعجب الأعجب أنه ألف رسائل في إباحة ذلك مما يستعمله الطائفة المنسوبة إلى مولانا جلال الدين الرومي دائرة على أدلة أضعف من خصر شادن يدور على محور الغنج في مقابلتهم، ومنها أكاذيب لا أصل لها لن يرتضيها عاقل ولن يقبلها، ولا أظن ما يفعلونه إلا شبكة لاصطياد طائر الرزق والجهلة يظنونه مخلصا من ربقة الرق، فإياك أن تميل إلى ذلك وتوكل على الله تعالى المالك وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ فإليه سبحانه اسعوا ومنه عز وجل اطلبوا الرزق.

واستدل بما وقع في القصة على أقل العدد المعتبر في جماعة الجمعة بأنه اثنا عشر بناء على ما في أكثر الروايات من أن الباقين بعد الانفضاض كانوا كذلك، ووجه الدلالة منه أن العدد المعتبر في الابتداء يعتبر في الدوام فلما لم تبطل الجمعة بانفضاض الزائد على اثني عشر دل على أن هذا العدد كاف، وفيه أن ذلك وإن كان دالا على صحتها باثني عشر رجلا بلا شبهة لكن ليس فيه دلالة على اشتراط اثني عشر، وأنها لا تصح بأقل من هذا العدد، فإن هذه واقعة عين أكثر ما فيها أنهم انفضوا وبقي اثنا عشر رجلا وتمت بهم الجمعة، وليس فيها أنه لو بقي أقل من هذا العدد لم تتم بهم، وفيما يصنع الإمام إن اتفق تفرق الناس عنه في صلاة الجمعة خلاف: فعند أبي حنيفة إن بقي وحده، أو مع أقل من ثلاثة رجال يستأنف الظهر إذا نفروا عنه قبل الركوع، وعند صاحبيه إذا كبروهم معه مضى فيها، وعند زفر إذا نفروا قبل القعدة بطلت لأن العدد شرط ابتداء فلا بد من دوامه كالوقت، ولهما أنه شرط الانعقاد فلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015