به الانتظام ويصلح أمر الخاص والعام، ومنها تعيين مراتب التأديب والزجر على معاص وجنايات لم ينص الشارع فيها على حد معين بل فوض الأمر في ذلك لرأي الإمام فليس ذلك في المحادّة الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلم في شيء بل فيه استيفاء حقه تعالى على أتم وجه لما فيه من الزجر عن المعاصي وهو أمر مهم للشارع عليه الصلاة والسلام. ويرشد إليه ما في تحفة المحتاج أن للإمام أن يستوفي التعزير إذا عفى صاحب الحق لأن الساقط بالعفو هو حق الآدمي، والذي يستوفيه الامام هو حق الله تعالى للمصلحة، وفي كتاب الخراج للإمام أبي يوسف عليه الرحمة إشارة إلى ذلك أيضا ولا يعكر على ذلك ونحوه قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: 3] لأن المراد إكماله من حيث تضمنه ما يدل على حكمه تعالى خصوصا أو عموما، ويرشد إلى هذا عدم النكير على أحد من المجتهدين إذا قال بشيء لم يكن منصوصا عليه بخصوصه، ومن ذلك ما ثبت بالقياس بأقسامه، نعم القانون الذي يكون وراء ذلك بأن كان مصادقا لما نطقت به الشريعة الغراء زائغا عن سنن المحجة البيضاء فيه ما فيه كما لا يخفى على العارف النبيه، وقد يقال في الآية على المعنى الذي ذكره البيضاوي: إن المراد بالموصول الواضعون لحدود الكفر وقوانينه كأئمة الكفر أو المختارون لها العاملون بها كأتباعهم، ثم إن الآية- على ما في البحر- نزلت في كفار قريش كُبِتُوا أي أخزوا كما قال قتادة، أو غيظوا كما قال الفراء أو ردّوا مخذولين- كما قال ابن زيد- أو أهلكوا كما قال أبو عبيدة والأخفش.
وعن أبي عبيدة أن تاءه بدل من الدال، والأصل- كبدوا- أي أصابهم داء في أكبادهم وقال السدي: لعنوا، وقيل: الكبت الكب وهو الإلقاء على الوجه، وفسره الراغب هنا بالرد بعنف وتذليل، وذلك إشارة عند الأكثرين إلى ما كان يوم الخندق، وقيل: إلى ما كان يوم بدر، وقيل: معنى كُبِتُوا سيكبتون على طريقة قوله تعالى: أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النحل: 1] وهو بشارة للمؤمنين بالنصر على الكفار وتحقق كبتهم.
كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من كفار الأمم الماضية المحادّين لله عز وجل ورسله عليهم الصلاة والسلام وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ حال من واو كُبِتُوا أي كبتوا لمحادّتهم، والحال أنا قد أنزلنا آيات واضحات فيمن حادّ الله تعالى ورسوله من قبلهم من الأمم وفيما فعلنا بهم، وقيل: آيات تدل على صدق الرسول وصحة ما جاء به وَلِلْكافِرِينَ أي بتلك الآيات أو بكل ما يجب الإيمان به فتدخل فيه تلك الآيات دخولا أوليا عَذابٌ مُهِينٌ يذهب بعزهم وكبرهم يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ منصوب بما تعلق به اللام من الاستقرار، أو- بمهين- أو بإضمار اذكر أي