ضمير لا تُؤْمِنُونَ مفيدة على ما قيل: لتوبيخهم على الكفر مع تحقق ما يوجب عدمه بعد توبيخهم عليه مع عدم ما يوجبه، ولام لِتُؤْمِنُوا صلة- يدعو- وهو يتعدى بها وبإلى أي وأيّ عذر في ترك الايمان وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ إليه وينبهكم عليه، وجوّز أن تكون اللام تعليلية وقوله سبحانه: وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ حال من فاعل يدعوكم أو من مفعوله أي وقد أخذ الله ميثاقكم بالإيمان من قبل كما يشعر به تخالف الفعلين مضارعا وماضيا، وجوز كونه حالا معطوفة على الحال قبلها فالجملة حال بعد حال من ضمير تُؤْمِنُونَ والتخالف بالاسمية والفعلية يبعد ذلك في الجملة، وأيا ما كان فأخذ الميثاق إشارة إلى ما كان منه تعالى من نصب الأدلة الآفاقية والأنفسية والتمكين من النظر فقوله تعالى: وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ إشارة إلى الدليل السمعي وهذا إشارة إلى الدليل العقلي وفي التقديم والتأخير ما يؤيد القول بشرف السمعي على العقلي.
وقال البغوي: هو ما كان حين أخرجهم من ظهر آدم وأشهدهم بأنه سبحانه ربهم فشهدوا- وعليه لا مجاز- والأول اختيار الزمخشري، وتعقبه ابن المنير فقال: لا عليه أن يحمل العهد على حقيقته وهو المأخوذ يوم الذر وكل ما أجازه العقل وورد به الشرع وجب الإيمان به، وروي ذلك عن مجاهد وعطاء والكلبي ومقاتل، وضعفه الإمام بأن المراد إلزام المخاطبين الإيمان ونفى أن يكون لهم عذر في تركه وهم لا يعلمون هذا العهد إلا من جهة الرسول فقبل التصديق بالرسول لا يكون سببا لإلزامهم الايمان به، وقال الطيبي: يمكن أن يقال إن الضمير في أَخَذَ إن كان لله تعالى فالمناسب أن يراد بالميثاق ما دلّ عليه قوله تعالى: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ [البقرة: 38] إلخ لأن المعنى فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً برسول أبعثه إليكم وكتاب أنزله عليكم، ويدل على الأول قوله سبحانه: وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا وعلى الثاني هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ إلخ، وإن كان للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فالظاهر أن يراد به ما في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران: 81] على أن يضاف الميثاق إلى النبيين إضافته إلى الموثق لا الموثق عليه أي الميثاق الذي وثقه الأنبياء على أممهم، وهو الوجه لأن الخطاب مع الصحابة رضي الله تعالى عنهم كما يدل عليه ما بعد، ولعل الميثاق نحو ما روينا عن الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت بايعنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعلى أن نقول في الله تعالى ولا نخاف لومة لائم انتهى.
ويضيف الأول بنحو ما ضعف به الإمام حمل العهد على ما كان يوم الذر، وضعف الثاني أظهر من أن ينبه عليه.
والخطاب قال صاحب الكشف: عام يوبخ من لم يؤمن منهم بعدم الإيمان ثم من آمن بعدم الإنفاق في سبيله.
وكلام أبي حيان ظاهر في أنه للمؤمنين، وجعل آمنوا أمرا بالثبات على الإيمان ودوامه وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ إلخ على معنى كيف لا تثبتون على الإيمان ودواعي ذلك موجودة.
وظاهر كلام بعضهم كونه للكفرة وهو الذي أشرنا إليه من قبل، ولعل ما ذكره صاحب الكشف أولى إلا أنه قيل عليه: إن آمنوا إذا كان خطابا للمتصفين بالإيمان ولغير المتصفين به يلزم استعمال الأمر في طلب أصل الفعل نظرا لغير المتصفين وفي طلب الثبات نظرا للمتصفين وفيه ما فيه، ويحتاج في التفصي عن ذلك إلى إرادة معنى عام للأمرين، وقد يقال أراد أنه عمد إلى جماعة مختلفين في الأحوال فأمروا بأوامر شتى وخوطبوا بخطابات متعددة فتوجه كل أمر